الحاوي الكبير
محقق
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٩ هجري
مكان النشر
بيروت
وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِلْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَالَ: لَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ ". فَكَانَ مِنْهُ دَلِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْإِفَاضَةِ.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ.
وَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ تَذَاكَرْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ َ - غُسْلَ الْجَنَابَةِ فَقَالَ: " أَمَّا أَنَا فَأَحْثِي عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ فَإِذَا أَنَا قَدْ طَهُرْتُ ".
وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّهَا طَهَارَةٌ عن حدث فوجب ألا يستحق فيها المضمضة والاستنشاق كغسل الميت ولأن مالا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنَ الْمَيِّتِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ مِنَ الْجُنُبِ كَالْعَيْنَيْنِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِقَوْلِهِ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَهُوَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ رَاوِيَهُ الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ وَكَانَ الْحَارِثُ ضَعِيفًا وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنَ الشَّعْرِ وَالْبَشَرِ بِدَلِيلِ أَنَّ شَعْرَ الْعَيْنِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ راويه أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ َ - جَعَلَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لِلْجُنُبِ ثَلَاثًا فَرِيضَةً، أَنَّهُ رَوَاهُ بَرَكَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيُّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ وَكَانَ بَرَكَةُ مَشْهُورًا بِوَضْعِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَرِيضَةً يَعْنِي تَقْدِيرًا أَلَا تَرَاهُ جَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَالثَّلَاثُ اسْتِحْبَابٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عن قولهم إن كَانَ مَسْنُونًا فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى كَانَ مَفْرُوضًا في الطهارة الكبرى منتقض بِالْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ وَالتَّكْرَارِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ كُلَّ مَحَلٍّ وَجَبَ تَطْهِيرُهُ مِنَ النَّجَاسَةِ وَجَبَ تَطْهِيرُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَهُوَ أَنَّهُ مُنْتَقَضٌ بِدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ لِأَنَّ غَسْلَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ وَمِنَ الْجَنَابَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ.
فَإِنْ قَالُوا داخل العينين لا يجب غسله من وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ صَقِيلٌ لَا يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ فَهَذِهِ دَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ عَلَى أَنَّ بُطُونَ الْجُفُونِ غَيْرُ صَقِيلَةٍ تَقْبَلُ النَّجَاسَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَقَلُّ مِنَ الدِّرْهَمِ فَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْجُفُونَ الْأَرْبَعَةَ أَكْثَرُ مِنَ الدِّرْهَمِ.
1 / 105