الحاوي الكبير

الماوردي ت. 450 هجري
81

الحاوي الكبير

محقق

علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٩ هجري

مكان النشر

بيروت

اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ. وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ وُجُودِهَا، لِأَنَّهَا قَدْ تُوجَدُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا إِثْبَاتُ حُكْمِهَا. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَكَانَ دَلِيلُ خِطَابِهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ مَا لَمْ يَنْوِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ إِنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِإِثْبَاتٍ مَا اتَّصَلَ بِهَا وَنَفْيِ مَا انْفَصَلَ عَنْهَا. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ قَوْلًا إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا قُوَةً وَلَا عَمَلًا إِلَّا بِنِيَّةٍ. وروي عنه ﷺ َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْظُرُ إِلَى أَعْمَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى نِيَّاتِكُمْ ". ثُمَّ الدَّلِيلُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّهَا طَهَارَةٌ مِنْ حَدَثٍ فَوَجَبَ أَنْ تَفْتَقِرَ إِلَى النِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ، فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّ الْوُضُوءَ أَصْلٌ وَالتَّيَمُّمَ فَرْعٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ حُكْمُ الْأَصْلِ مِنَ الْفَرْعِ. قيل: التَّيَمُّمُ بَدَلٌ مِنَ الْوُضُوءِ وَلَيْسَ بِفَرْعٍ لَهُ، لِأَنَّ فَرْعَ الْأَصْلِ مَا كَانَ حُكْمُهُ مَأْخُوذًا مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ. وَلَيْسَ حُكْمُ التَّيَمُّمِ مَأْخُوذًا مِنَ الْوُضُوءِ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمُبْدَلِ مَأْخُوذًا مِنْ بَدَلِهِ إِذَا كَانَ الْبَدَلُ مُجْتَمِعًا عَلَى حُكْمِهِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَرْجِعُ فِي حَالِ الْعُذْرِ إِلَى شَرْطِهَا. فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ النية شَطْرِهَا كَالصَّلَاةِ فَإِنْ مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ عبادة كان نزاعا مطرحا، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مَا وَرَدَ التَّعَبُّدُ بِهِ قُرْبَةً لِلَّهِ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْوُضُوءِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْوُضُوءُ شَطْرُ الْإِيمَانِ " وَمَنْ كَانَتْ هذه حالته فن الْمُحَالِ أَلَّا تَكُونَ عِبَادَةً، وَلِأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ كَانَتِ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي بَدَلِهِ كَانَتِ النِّيَّةُ شرطا في مبدله كالكفارت، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا افْتَقَرَ نَقْلُهُ إِلَى النِّيَّةِ افْتَقَرَ فَرْضُهُ إِلَى النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.

1 / 89