الحاوي الكبير
محقق
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٩ هجري
مكان النشر
بيروت
معنى أنه مجتمع مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ. وَأَمَّا " هَذَا " فَهِيَ كَلِمَةُ إِشَارَةٍ تَجْمَعُ حَرْفًا وَاسْمًا، فَالْحَرْفُ الْهَاءُ الْمَوْضُوعَةُ لِلتَّنْبِيهِ، وَالِاسْمُ ذَا وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَسُنَ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَهُمَا، فَنَقُولُ: هَذَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ اخْتَصَرَ كِتَابَهُ وَهَلَّا بَسَطَهُ فَإِنَّ الْمَبْسُوطَ أَقْرَبُ إِلَى الْإِفْهَامِ، وَأَغْنَى عَنِ الشَّرْحِ.
قِيلَ: إِنَّمَا اخْتَصَرَهُ لِأَنَّ الْمُخْتَصَرَ أَقْرَبُ إِلَى الْحِفْظِ، وَأَبْسَطُ لِلْقَارِئِ، وَأَحْسَنُ مَوْقِعًا في النفوس، ولذلك تداول إِعْجَازَ قَوْلِهِ ﷿: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حيوة﴾ [البقرة: ١٧٩] لِاخْتِصَارِ لَفْظِهِ وَإِجْمَاعِ مَعَانِيهِ وَعَجِبُوا مِنْ وَجِيزِ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ [الحجر: ٩٤] . وَمِنَ اخْتِصَارِ قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾ [هود: ٤٤] . وَقَالُوا: إِنَّهَا أخصر آية في كتاب الله تعالى. واستسحنوا اخْتِصَارَ قَوْلِهِ ﷿: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ﴾ [الزخرف: ٧١] كَيْفَ جَمَعَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَجِيزِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ وَجَمِيعِ الْمَلْبُوسَاتِ. وَلِفَضْلِ الِاخْتِصَارِ عَلَى الْإِطَالَةِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ َ -: " أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَاخْتُصِرَتْ لِيَ الْحِكْمَةُ اخْتِصَارًا ". وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ﵇: خَيْرُ الْكَلَامِ مَا قَلَّ وَدَلَّ وَلَمْ يَطُلْ فَيَمَلَّ. غير أن للإطالة موضعا يحمد فِيهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كِتَابُ اللَّهِ ﷿ مُخْتَصَرًا بِهِ، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ فِي بَعْضِ خُطَبَاءِ إِيَادٍ:
(يَرْمُونَ بِالْخُطَبِ الطِّوَالِ وَتَارَةً ... وَحْيَ الْمُلَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ)
غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِصَارَ فِيمَا وَضَعَهُ الْمُزَنِيُّ أَحْمَدُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: مُخْتَصَرُ الْكِتَابِ لِيُحْفَظَ وَيُبْسَطُ لِيُفْهَمَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ شَرَطَ اخْتِصَارَ كِتَابِهِ، وَقَدْ أَطَالَ كَثِيرًا مِنْهُ، فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ شَرَطَ اخْتِصَارَ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدِ اخْتَصَرَهُ وَإِنَّمَا أَطَالَ كَلَامَ نَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ وَالْأَغْلَبُ منه مختصر.
1 / 11