43

الحاوي الكبير

محقق

علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٩ هجري

مكان النشر

بيروت

أَنْ لَوْ كُنْتُ مَعَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّكَ كُنْتَ مَعَهُ، قَالَ فَقَدْنَا رسول الله ﷺ َ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقُلْنَا: اغْتِيلَ أَوِ اسْتُطِيرَ فَبِتْنَا بشر ليلة بات لها أهلها فلما أصحبنا أَقْبَلَ مِنْ نَاحِيَةِ حِرَاءَ وَذَكَرَ أَنَّ دَاعِيَ الْجِنِّ أَتَاهُ. فَتَعَارَضَتِ الرِّوَايَةُ فَسَقَطَتَا. فَإِنْ قِيلَ: فَخَبَرُنَا مُثْبِتٌ وَخَبَرُكُمْ نَافٍ وَالْمُثْبَتُ أَوْلَى. قِيلَ: هما سواء فخبركم ثبت كَوْنَ عَبْدِ اللَّهِ مَعَ النَّبِيِّ ﵇ وَيَنْفِي كَوْنَهُ مَعَ الصَّحَابَةِ، وَخَبَرُنَا يُثْبِتُ كَوْنَهُ مَعَ الصَّحَابَةِ وَيَنْفِي كَوْنَهُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ َ -. وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ: تَسْلِيمُ الْخَبَرِ وَالِانْفِصَالُ عَنْهُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ، لِأَنَّ لَيْلَةَ الْجِنَّ كَانَتْ بِمَكَّةَ، وَآيَةُ التَّيَمُّمِ نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَإِمَّا بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي مَا نَبَذَ فِيهِ التَّمْرَ لِيُحِلُّوا لِأَنَّ قَوْلَهُ تَمْرَةٌ طيبة وماء طهور تقتضي ذلك تمييزا أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِنَّ مَعِي نَبِيذًا، يَعْنِي: مَا يَصِيرُ نَبِيذًا، وَبِمَعْنَى قَدْ نَبَذَ فِيهِ تَمْرًا. فَإِنْ قِيلَ: فَيُحْمَلُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ َ - " تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ " عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَمْرًا وَمَاءً طَهُورًا. قِيلَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ حَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْآخَرِ عَلَى الْمَجَازِ كَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ َ - أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَذَا يُجَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ قَدْ نَبَذَ فِيهِ، لِأَنَّهُ نَبِيذٌ مُشْتَدٌّ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ رِوَايَتِهِمْ عَنِ اسْتِعْمَالِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ لَهُ فَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ تَوْقِيفٍ، وَلَوْ كَانَ لَنَقَلُوهُ، وَلَيْسَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لَا حَتْمًا دِرَايَةً إِنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُمَا. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: " إِنَّ فِي النَّبِيذِ مَاءَ سهو " هو جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَاءٌ وَانْتَقَلَ عَنْهُ لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ فِي اللُّغَةِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَنْطَلِقَ اسْمُ الْمَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَاءً لَكَانَ الْخَلُّ أَحَقَّ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ بِاتِّفَاقٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ مُطْلَقٌ لَاسْتَوَى حُكْمُهُ وَحُكْمُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَهُمَا مُفْتَرِقَانِ فِي الِاسْمِ وَالْحُكْمِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ بأنه مائع سمي في الشرع طهور فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ َ - قَالَ: " تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ " فَوَصَفَ الْمَاءَ بِأَنَّهُ طَهُورٌ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْمَاءِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَضَرِ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي السَّفَرِ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزِ اسْتِعْمَالُ النَّبِيذِ فِي الْحَضَرِ لَمْ يَجُزِ اسْتِعْمَالُهُ فِي السَّفَرِ.

1 / 51