الحاوي الكبير
محقق
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٩ هجري
مكان النشر
بيروت
مكروه، وكذلك كما اشْتَدَّ بَرْدُهُ فَلَمْ يُمْكِنِ اسْتِعْمَالُهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْمِيَاهُ كُلُّهَا نَوْعَانِ: نَوْعٌ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ مِيَاهٍ مَاءُ الْمَطَرِ، وَمَاءُ الثَّلْجِ، وَمَاءُ الْبَرَدِ، وَنَوْعٌ يَنْبُعُ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ أَرْبَعُ مِيَاهٍ: مَاءُ الْبَحْرِ، وَمَاءُ النَّهْرِ، وَمَاءُ الْعَيْنِ، وَمَاءُ الْبِئْرِ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْمِيَاهِ طَاهِرَةٌ مُطَهِّرَةٌ عَلَى اخْتِلَافِهَا فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ والرائحة.
مسألة
قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: وَلَا أَكْرَهُ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ لِكَرَاهِيَةِ عُمْرَ ذَلِكَ وَقَوْلِهِ: " يُورِثُ الْبَرَصَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَهَذَا صَحِيحٌ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ مَكْرُوهٌ لِرِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَائِشَةَ ﵄ شَمَّسَتْ مَاءً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ َ -، فقال النبي ﷺ َ -: " لا تفعلي يا حميرا فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ " وَرُوِيَ عَنْ عُمْرَ ﵁ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ، وَقَالَ: إِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ، فَإِذَا ثَبَتَ الْخَبَرُ وَالْأَثَرُ كَرَاهِيَةُ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَا أَثَّرَتْ فِيهِ الشَّمْسُ مِنْ مِيَاهِ الْأَوَانِي، وَأَمَّا مِيَاهُ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ لَا يُكْرَهُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّمْسَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا كَتَأْثِيرِهَا فِي الْأَوَانِي.
وَالثَّانِي: التَّحَرُّزُ مِنْهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ وَمِنَ الْأَوَانِي مُمْكِنٌ وَتَأْثِيرُ الشَّمْسِ فِي مِيَاهِ الْأَوَانِي قَدْ يَكُونُ تَارَةً بِالْحَمَا، وَتَارَةً بِزَوَالِ بِرْدِهِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى سَوَاءٍ، فَإِنْ لَمْ تُؤَثِّرِ الشَّمْسُ فِيهِ لَمْ يُكْرَهْ فَسَوَاءٌ مَا قَصَدَ بِهِ الشَّمْسَ، وَمَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْهُ مَا قَصَدَ بِهِ الشَّمْسَ دُونَ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ َ - قَالَ لِعَائِشَةَ: " لَا تَفْعَلِي " فَكَانَ النَّهْيُ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْفِعْلِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ َ - قَدْ نَصَّ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ وَأَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَصُّ بِالْقَصْدِ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَذَا أَيْضًا لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا حَمِيَ بِالشَّمْسِ فِي بِلَادِ تِهَامَةَ وَالْحِجَازِ، وَبَيْنَ مَا حَمِيَ بِهَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ، وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُ النَّهْيَ مَخْصُوصًا بِمَا حَمِيَ بِتِهَامَةَ وَالْحِجَازِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ تُورِثُ الْبَرَصَ دُونَ مَا حَمِيَ بِالْعِرَاقِ وَسَائِرِ الْبِلَادِ، وَهَذَا التَّخْصِيصُ إِنَّمَا هُوَ إِطْلَاقُ قَوْلٍ
1 / 42