158

الحاوي الكبير

محقق

علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٩ هجري

مكان النشر

بيروت

(مسألة: الاستطابة بغير الحجر)
قال الشافعي ﵁: " وَإِنِ اسْتَطَابَ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْحِجَارَةِ مِنَ الْخَزَفِ وَالْآجُرِّ وَقِطَعِ الْخَشَبِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَأَنْقَى مَا هُنَالِكَ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَعْدُ الْمَخْرَجَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الِاسْتِنْجَاءُ يَجُوزُ بِالْأَحْجَارِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ طَاهِرٍ مُزِيلٍ غَيْرِ مَطْعُومٍ، وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالْأَحْجَارِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ استدلالًا بقوله ﷺ َ -: " وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أحجارٍ "، فَنَصَّ عَلَى عَدَدٍ وَجِنْسٍ فَلَمَّا كَانَ الْعَدَدُ شَرْطًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الجنس شرطًا، قال ولأن كلما نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّطْهِيرِ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ وَالْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ، قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ نَصَّ فِيهَا عَلَى الْأَحْجَارِ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهَا بِغَيْرِ الْأَحْجَارِ قِيَاسًا عَلَى رَمْيِ الْجِمَارِ.
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ َ - قَالَ: " وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أحجارٍ "، وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ، فَلَمَّا اسْتَثْنَى الرَّوْثَ وَالرِّمَّةَ وَهِيَ الْعَظْمُ الْبَالِي وَلَيْسَا مِنْ جِنْسِ الْأَحْجَارِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَحْجَارَ يَلْحَقُ بِهَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا لِاسْتِثْنَاءِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ مِنْهَا فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا إِلَّا الرَّوْثَ وَالرِّمَّةَ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِتَخْصِيصِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ بِالذَّكَرِ مَعْنًى. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ َ - مَرَّ لِحَاجَتِهِ وَقَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: " ائْتِنِي بِثَلَاثَةِ أحجارٍ فَأَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ وروثةٍ، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَمَى بِالرَّوْثَةِ وَقَالَ: إِنَّهَا رجسٌ ". فَعَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْهَا بالنجاسة بأنها ليس بِحَجَرٍ كَمَا قَالَ دَاوُدُ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ َ - بَالَ وَامْتَسَحَ بِالْحَائِطِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْحَجَرِ لِأَنَّ مَا كَانَ طَاهِرًا مُزِيلًا غَيْرَ مَطْعُومٍ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى الْأَحْجَارِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ وَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى عَدَدٍ وَجِنْسٍ فَكَفَى بِالْخَبَرِ دَلِيلًا لِأَنَّ الْعَدَدَ لَمَّا جَازَ الْمُجَاوَزَةُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِنْقَاءِ فَكَذَلِكَ جَازَ الْعُدُولُ عَنِ الْأَحْجَارِ إِلَى كُلِّ مَا وُجِدَ فِيهِ الْإِنْقَاءُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ عِنْدَنَا إِذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ وَعِنْدَ دَاوُدَ إِذَا أَنْقَى.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ فَهُوَ أَنَّ مَعْنَى التُّرَابِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَلِفَقْدِ مَعْنَاهُ فِي غَيْرِهِ لَمْ يُقَسْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَجَرُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِنْقَاءُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِهِ فَقِسْنَاهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى رَمْيِ الْجِمَارِ فَمُنْتَقِضٌ بِالْأَحْجَارِ فِي رَجْمِ الزَّانِي، هَذَا لَوْ كَانَ الْأَصْلُ صَحِيحًا عَلَى مَذْهَبِهِ، وَمَذْهَبُ دَاوُدَ أَنَّ غَيْرَ الْأَحْجَارِ يَجُوزُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ فَلَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (أَنَّ الأمر بالأحجار) فِي رَمْيِ الْجِمَارِ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَلَمْ يُقَسْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالْأَحْجَارُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى وَهُوَ الْإِزَالَةُ وَالْإِنْقَاءُ فَقِسْنَا عَلَيْهِ غَيْرَهُ.

1 / 166