143

الحاوي الكبير

محقق

علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٩ هجري

مكان النشر

بيروت

قال الشاعر:
(أما أتاك عن الْحَدِيثُ)
(إِذْ أَنَا بِالْغَائِطِ أَسْتَغِيثُ ... وَصِحْتُ فِي الْغَائِطِ يَا خَبِيثُ)
وَعَقْدُ هَذَا الْبَابِ وَمَدَارُهُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ َ - قَالَ: " إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ " يَقْصِدُ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ جَعَلَهَا مُقَدِّمَةً يَأْنَسُ بِهَا السَّامِعُ لِأَنَّ فِي الِابْتِدَاءِ بِذِكْرِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَحْشَةً عَلَى السَّامِعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَثَّهُمْ عَلَى سُؤَالِهِ فِيمَا احْتَشَمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَأَدَبِهِمْ كَمَا يَسْأَلُ وَالِدَهُ فِيمَا احْتَشَمَ غَيْرُهُ مِنْ سُؤَالِهِ.
وَالثَّالِثُ: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْوَالِدَ يَلْزَمُهُ تَعْلِيمُ وَلَدِهِ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْ دِينِهِ وَأَدَبِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى الْقِيَاسِ، ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ الْأَدَبِ الشَّرْعِيِّ فَقَالَ: " فَإِذَا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا لِغَائِطٍ وَلَا بولٍ "، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِقْبَالُهَا ولا استدبارها فِي الْبُنْيَانِ وَلَا فِي الصَّحَارِي وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة وَصَاحِبَيْهِ وَالثَّوْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ اسْتِقْبَالُهَا وَاسْتِدْبَارُهَا فِي الْبُنْيَانِ وَالصَّحَارِي وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِقْبَالُهَا وَلَا اسْتِدْبَارُهَا فِي الصَّحَارِي وَيَجُوزُ اسْتِقْبَالُهَا وَاسْتِدْبَارُهَا فِي الْبُنْيَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الشَّعْبِيُّ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ.

1 / 151