الحاوي الكبير
محقق
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٩ هجري
مكان النشر
بيروت
بَلَلِ لِحْيَتِهِ فَمَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ ". فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، قَالُوا وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: " مَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ ".
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ قَبْلَ يَدَيْكَ، وَلَيْسَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، قالوا ولأنها طهارة لا يستحق فيهما التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْعُضْوَيْنِ الْمُتَجَانِسَيْنِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ التَّرْتِيبُ فِيهَا بَيْنَ الْعُضْوَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ كَالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَلِأَنَّهُ تَرْتِيبٌ شُرِعَ فِي طَهَارَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَسْنُونًا كَتَقْدِيمِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَلِأَنَّ الْمُحْدِثَ لَوِ اغْتَسَلَ بَدَلًا مِنَ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ مُسْتَحَقًّا لَمْ يُجْزِهِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ (المائدة: ٦) . والدلالة فيها من أربعة أوجه:
أحدهما: أَنَّهُ أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ بِحَرْفِ الْفَاءِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْقِيبِ وَالتَّرْتِيبِ إِجْمَاعًا، فَإِذَا ثَبَتَ تَقْدِيمُ الْوَجْهِ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ التَّرْتِيبِ، فَإِنْ قِيلَ الْفَاءُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّعْقِيبِ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ فَأَمَّا فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَلَا.
قِيلَ هِيَ مُوجِبَةٌ لِلتَّعْقِيبِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَيْسَ إِذَا أَفَادَتِ الْجَزَاءَ بَعْدَ الشَّرْطِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُهَا فِي التَّعْقِيبِ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ مَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظُ التَّعْقِيبِ دُونَ الْجَمْعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّهُ عَطْفٌ بِالْأَعْضَاءِ بِحَرْفِ الْوَاوِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلتَّعْقِيبِ وَالتَّرْتِيبِ لُغَةً وَشَرْعًا، أَمَّا اللُّغَةُ فَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَثَعْلَبٍ وَهُمَا إِمَامَانِ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ مِنْ أصحاب الشافعي وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵁ سَمِعَ عَبْدَ بَنِي الْحِسْحَاسِ يُنْشِدُ قَوْلَهُ:
(عُمَيْرَةَ وَدِّعْ إِنْ تَجَهَّزْتَ غَادِيًا ... كَفَى الشَيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا)
1 / 139