الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم

أبو المعالي الجويني ت. 478 هجري
215

الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم

محقق

عبد العظيم الديب

الناشر

مكتبة إمام الحرمين

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٠١ هجري

٣٢٠ - وَأَمَّا التَّعْزِيرَاتُ، فَهِيَ أَيْضًا مُفَصَّلَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي أَبْوَابٍ مُتَعَلِّقَاتٍ بِمُوجِبَاتٍ لَهَا وَأَسْبَابٍ: فَمِنْهَا مَا يَكُونُ حَقًّا لِلْآدَمِيِّ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ، وَيُسْتَوْفَى بِطَلَبِهِ، وَمِنْهَا مَا يَثْبُتُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِارْتِبَاطِهِ بِسَبَبٍ هُوَ حَقُّ اللَّهِ. ثُمَّ رَأَى الشَّافِعِيُّ ﵀ أَنَّ التَّعْزِيرَاتِ لَا تَتَحَتَّمُ تَحَتُّمَ الْحُدُودِ، فَإِنَّ الْحُدُودَ إِذَا ثَبَتَتْ فَلَا خِيرَةَ فِي دَرْئِهَا، وَلَا تَرَدُّدَ فِي إِقَامَتِهَا، وَالتَّعْزِيرَاتُ مُفَوَّضَةٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ. فَإِنْ رَأَى التَّجَاوُزَ وَالصَّفْحَ تَكَرُّمًا، فَعَلَ، وَلَا مُعْتَرِضَ عَلَيْهِ، فِيمَا عَمِلَ. وَإِنْ رَأَى إِقَامَةَ التَّعْزِيرِ تَأْدِيبًا وَتَهْذِيبًا فَرَأْيُهُ الْمُتَّبَعُ، وَفِي الْعَفْوِ وَالْإِقَالَةِ مُتَّسَعٌ. وَالَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ تَحَيُّزًا مُسْتَنِدًا إِلَى التَّمَنِّي، وَلَكِنَّ الْإِمَامَ يَرَى مَا هُوَ الْأَوْلَى، وَالْأَلْيَقُ وَالْأَحْرَى، فَرُبَّ عَفْوٍ هُوَ أَوْزَعُ لِكَرِيمٍ مِنْ تَعْزِيرٍ، وَقَدْ يَرَى مَا صَدَرَ عَنْهُ عَثْرَةً هِيَ بِالْإِقَالَةِ حَرِيَّةٌ، وَالتَّجَاوُزُ عَنْهَا يَسْتَحِثُّ عَلَى اسْتِقْبَالِ الشِّيَمِ الْمُرْضِيَّةِ، وَلَوْ يُؤَاخِذُ الْإِمَامُ النَّاسَ بِهَفَوَاتِهِمْ، لَمْ يَزَلْ دَائِبًا فِي عُقُوبَاتِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الْمُصْطَفَى

1 / 218