الفتاوى - محمد الأمين الشنقيطي
محقق
سليمان بن عبد الله العمير
الناشر
دار عطاءات العلم (الرياض)
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
مكان النشر
دار ابن حزم (بيروت)
تصانيف
والآيات بمثل هذا كثيرة جدًّا. وصفة الرزق في جميع الآيات المذكورة إنما هي من براهين التوحيد، وبذلك تعلم أن من حِكَم رزقه تعالى لخلقه إقامة البرهان لهم بذلك على عظمته وكمال قدرته، وأنه المعبود وحده جل وعلا، وبه تعلم أن حكمة رزق الخلق إلهية ربانية لا نبوية، وقد بيَّن تعالى امتنانه على سيدنا محمد ﷺ بأنه تعالى هو الذي رزقه كما رزق جميع الرسل وجميع الخلق، قال تعالى مخاطبًا له ﷺ في سورة الضحى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)﴾ أي: وجدك فقيرًا فأغناك برزقه الحلال الطيب.
وقال تعالى مخاطبًا له أيضًا في طه: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (١٣٢)﴾.
وقد بيَّن تعالى أن من حِكَم رزقه لخلقه إظهار شدة حاجتهم وفقرهم وفاقتهم إلى رحمته جل وعلا، وأنه لو أمسك عنهم الرزق أو أبعد عنهم الماء في داخل الأرض حتى لا يستطيعوا الوصول إليه، أو جعله ملحًا أُجاجًا لا يمكن أن يُشرب لهلكوا جميعًا، ولم يقدر أحد كائنًا من كان أن يطعمهم ولا أن يسقيهم، قال تعالى في الملك: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ [الآية: ٢١]، وقال فيها أيضًا: ﴿قُلْ أَرَأَيتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (٣٠)﴾.
وقال في الواقعة: ﴿أَفَرَأَيتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (٧٠)﴾.
وقد بيَّن تعالى أن من حِكَم رزقه لخلقه عظمة رحمته وفضله وكرمه، كقوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦)﴾ [هود: ٦].
1 / 14