86

الداء والدواء

الناشر

دار المعرفة

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هجري

مكان النشر

المغرب

تصانيف

التصوف
الْحَالِ، فَمَنْ تُرَى يَسْلَمُ عَلَى ذَلِكَ؟ فَهُنَاكَ ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: ٢٧] . فَكَيْفَ يُوَفَّقُ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ مَنْ أَغْفَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِهِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. فَبَعِيدٌ مَنْ قَلْبُهُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، غَافِلٌ عَنْهُ مُتَعَبِّدٌ لِهَوَاهُ أَسِيرٌ لِشَهَوَاتِهِ، وَلِسَانُهُ يَابِسٌ مِنْ ذِكْرِهِ، وَجَوَارِحُهُ مُعَطَّلَةٌ مِنْ طَاعَتِهِ مُشْتَغِلَةٌ بِمَعْصِيَتِهِ - أَنْ يُوَفَّقَ لِلْخَاتِمَةِ بِالْحُسْنَى. وَلَقَدْ قَطَعَ خَوْفُ الْخَاتِمَةِ ظُهُورَ الْمُتَّقِينَ، وَكَأَنَّ الْمُسِيئِينَ الظَّالِمِينَ قَدْ أَخَذُوا تَوْقِيعًا بِالْأَمَانِ ﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ - سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ [سُورَةُ الْقَلَمِ: ٣٩ - ٤٠] كَمَا قِيلَ: يَا آمِنًا مِنْ قَبِيحِ الْفِعْلِ مِنْهُ أَهَلْ ... أَتَاكَ تَوْقِيعُ أَمْنٍ أَنْتَ تَمْلِكُهُ جَمَعْتَ شَيْئَيْنِ أَمْنًا وَاتِّبَاعَ هَوًى ... هَذَا وَإِحْدَاهُمَا فِي الْمَرْءِ تُهْلِكُهُ وَالْمُحْسِنُونَ عَلَى دَرْبِ الْمَخَاوِفِ قَدْ ... سَارُوا وَذَلِكَ دَرْبٌ لَسْتَ تَسْلُكُهُ فَرَّطْتَ فِي الزَّرْعِ وَقْتَ الْبَذْرِ مِنْ سَفَهٍ ... فَكَيْفَ عِنْدَ حَصَادِ النَّاسِ تُدْرِكُهُ هَذَا وَأَعْجَبُ شَيْءٍ مِنْكَ زُهْدُكَ فِي ... دَارِ الْبَقَاءِ بِعَيْشٍ سَوْفَ تَتْرُكُهُ مَنِ السَّفِيهُ إِذًا بِاللَّهِ أَنْتَ أَمِ الْ ... مَغْبُونُ فِي الْبَيْعِ غَبْنًا سَوْفَ يُدْرِكُهُ [فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُعْمِي الْقَلْبَ] فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُعْمِي الْقَلْبَ وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا أَنَّهَا تُعْمِي الْقَلْبَ، فَإِنْ لَمْ تُعْمِهِ أَضْعَفَتْ بَصِيرَتَهُ وَلَابُدَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّهَا تُضْعِفُهُ وَلَابُدَّ، فَإِذَا عَمِيَ الْقَلْبُ وَضَعُفَ، فَاتَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْهُدَى وَقُوَّتِهِ عَلَى تَنْفِيذِهِ فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ، بِحَسَبِ ضَعْفِ بَصِيرَتِهِ وَقُوَّتِهِ. فَإِنَّ الْكَمَالَ الْإِنْسَانِيَّ مَدَارُهُ عَلَى أَصْلَيْنِ: مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَإِيثَارِهِ عَلَيْهِ. وَمَا تَفَاوَتَتْ مَنَازِلُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا بِقَدْرِ تَفَاوُتِ مَنَازِلِهِمْ فِي هَذَيْنِ

1 / 92