البرهان في وجوه البيان
محقق
د. حفني محمد شرف (أستاذ البلاغة، والنقد الأدبي المساعد - كلية دار العلوم، جامعة القاهرة)
الناشر
مكتبة الشباب (القاهرة)
مكان النشر
مطبعة الرسالة
تصانيف
مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾، إلا أن العقل الموهوب أصل والمكسوب فرع، والأشياء بأصولها، فإذا صح الأصل صح الفرع، وإذا فسد فسد، وقد شبه بعض القدماء العقل الغريزي بالبدن، وشبه المكتسب بالغذاء، فكما أن الغذاء لا يستحيل إلا بالأبدان المحيلة له، ولا ينفع إلا بحصوله فيها، فكذلك العقل المستفاد بالأدب لا يتم إلا بالعقل الغريزي، فكما أن البدن إذا عدم الغذاء لم يكن له بقاء، فكذلك العقل الغريزي إذا عدم الأدب، فإذا صح العقل الموهوب كان بمنزلة البدن الصحيح الذي يستمرئ الغذاء، وينتفع به، وإذا فسد كان بمنزلة البدن المريض الذي لا يشتهي الغذاء، وإن حمل إليه منه ما لا يدعوه طبعه إليه كان زائدًا في مرضه، واستحال الداء الذي هو غالب، ولذلك، قيل: إن الأدب يذهب عن العقل السكر ويزيد الأحمق سكرًا، وقال الله ﷿: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ فأحمد الناس (عند الله ﷿ وعند الحكماء أصحهم عقلًا، وأكثرهم علمًا وأدبًا، وقد قال الله ﷿: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾. وقال: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
1 / 54