البرهان في وجوه البيان
محقق
د. حفني محمد شرف (أستاذ البلاغة، والنقد الأدبي المساعد - كلية دار العلوم، جامعة القاهرة)
الناشر
مكتبة الشباب (القاهرة)
مكان النشر
مطبعة الرسالة
تصانيف
وبلغوا الغاية التي قصدها ﷿ في إفهامهم، وإيجاب الحجة عليهم، ولولا الكتاب الذي قيد على الناس أخبار الماضين لم تجب حجة الأنبياء على من أتى بعدهم، ولا كان النقل يصح عنهم، ولذلك صارت الأمم التي ليس لها كتاب قليلة العلوم والآداب، وقد امتدح الله ﷿ تعلم الكتاب في كتابه، [ومن احتجاجه على الناس به] وبين احتجاجه على الناس به، فقال: ﴿اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَا وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ وقال: ﴿أَوَلَمْ تَاتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى﴾ وقال: ﴿اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
وكل هذه الأقسام التي ذكرناها من البيان لا تخلو من أن تكون ظاهرة جلية، أو باطنة خفية، وذلك لما دبره الله ﷿ في هذا من الحكمة والدلالة، لأنه جعل بعض خلائقه محتاجًا إلى البعض، فالظاهر محتاج إلى الباطن، لأنه معنى له، والباطن محتاج إلى الظاهر لأنه دليل عليه، فكذلك سائر مصنوعات الله ﷿ محتاج بعضها إلى بعض ليعلم الإنسان أنه ليس يستغنى شيء بنفسه، ويقوم بذاته غير الله ﷿، وكل ما سواه فإنما هو بغيره، ولو جعل الله ﵎ الأشياء كلها ظاهرة لتساوي الناس في العلم، ولم يتفاضلوا فيه، وفي تساوى الناس - حتى لا يكون فيهم [رؤساء] متبعون، وأتباع مطيعون - بوارهم؛ وقد قيل: لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا
1 / 62