الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية
الناشر
مطبعة السلام
رقم الإصدار
الأولي
سنة النشر
٢٠١١ م
مكان النشر
ميت غمر
تصانيف
الأنوار النعمانية
في
الدعوة الربانية
للشيخ الدكتور/ نعمان أبو الليل
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
ومن علماء التبليغ بالأردن
إعداد
محمد على محمد إمام
الجزء الأول
1 / 1
دار الكتب والوثائق القومية
بطاقة فهرسة
فهرسة أثناء النشر إعداد الهيئة العامة لدار الكتب المصرية
إدارة الشئون الفنية
إمام / محمد على محمد
الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية
إعداد / محمد على محمد إمام ... ميت غمر
الطبعة الأولي ٢٠١١
عدد الصفحات (٣٠٠ صفحة)
المقاس (١٨ × ٢١ سم)
رقم الإيداع: (١٣٣٣٦)
تاريخ الإيداع: ١٢/ ٧ / ٢٠١١
الترقيم الدولي: I.S.B.N. ٩٧٨ - ٩٧٧ - ٧١٦ - ١٦٦ - ٤
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
1 / 2
مقدمة
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمدُ إلا له، وأسأله سبحانه وتعالي أن يُصلي ويسلم علي سيدنا محمد وآله وبعد:
إخواني وأحبابي في الله! يُسعدني اليوم أن أقدم لكل الدعاة عامة، ولأهل التبليغ والدعوة خاصة الجزء الأول من الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية للشيخ الدكتور نعمان أبو الليل والتي تشبه كلام الحكماء، فما وجدنا مثل هذه الكلمات في كتب التفسير ولا غيرها، ولا نحسبه إلا وقد صدق فيه قول الرسول في الحديث الذي رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله ﷺ: " ما زهد عبد في الدنيا إلا أنبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصره عيب الدنيا، وداءها ودواءها، وأخرجه منها سالما إلي دار السلام ".
ولا أراني وأنا أسطر هذه الكلمات إلا وأنني أمام حبر من أحبار الأمة لا أستطيع أن أوفيه حقه، أسأل الله أن يوفيه حقه يوم القيامة.
وقد حصل علي الدكتوراه في تفسير القرآن، وقام بالتدريس في العديد من الجامعات الإسلامية، في المملكة العربية السعودية، وباكستان، وكلية الشريعة بقطر.
1 / 3
وكنت أسكن بمدينة إربد الأردنية عدة سنوات، منذُ عام ١٩٨٤: إلي نهاية عام ١٩٨٧ م، وكنت أذهب يوم الخميس إلي المسجد الغربي بمدينة إربد لحضور الاجتماع الأسبوعي، فكثيرا ما كان الدكتور/ نعمان، يبين ويوضح عمل الدعوة إلي الله ﷾، فكنت عندما أسمعه أتذكر قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما يسأل سيدنا علي ﵁ في مسألة فيقول له: غص يا غواص ٠٠ وكنتُ أكتب وراءه كل كلمة يقولها، وكذلك حضرت له بعض اللقاءات بمسجد مدينة الحجاج بعمان ٠٠ وجمعت بعض كلامه الذي ألقاه في اجتماعات التبليغ بباكستان، وبنجلاديش، وقمت بمزج كلامه القديم بالحديث، وحذفت الكلام المتكرر، مع مراعاة عدم اختلال النص.
ومما دفعني لتسجيل كلام هذا العالم الجليل، خشية أن يضيع كلام علماء المدرسة التبليغية، كما ضاع كلام كثير من علماء الأمة، فقد ذكر الإمام الذهبي في كتابه الممتع سير أعلام النبلاء، في ترجمة الإمام الليث بن سعد، عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: سمعت الشافعي يقول: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.
وقال الإمام المنذري ﵀: وناسخ العلم النافع: له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه، وناسخ ما فيه إثم: عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه.
فعسي الله ﷿ أن ينفعنا بكل كلمة نكتبها في هذا الكتاب، وأن ينفع بها كل من يقرأها إلي يوم القيامة ٠٠ وأن يرزقنا جهد حبيبه، علي منهاج حبيبه، حسب مرضاته، آمين.
أخوكم في الله
محمد علي محمد إمام
1 / 4
مقارنة
بين الدعوة والقتال
فرض الله الجهاد بالنفس والمال:
قال الله تعالي: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (١).َ
وقال الله تعالي: ﴿وجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (٢).
وعن أنس ﵁ أن النبي ﷺ قال: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " رواه أبو داود والنسائي والدارمى (٣).
يقول الإمام العز بن عبد السلام ﵀: يشرُفُ البذلُ بشَرَفِ المبذول، وأفضل ما بذله الإنسانُ نفسه وماله. ولما كانت الأنفس والأموال مبذولةً في الجهاد، جعلَ اللهُ مَن بذَلَ نفسه في أعلى رتب الطائعين وأشرفها؛ لشَرَفِ ما بذله
_________
(١) سورة التوبة - الآية ٤١.
(٢) سورة الحج - الآية ٧٨.
(٣) مشكاة المصابيح - كتاب الجهاد ٢/ ١١٢٤. .
1 / 5
مع محو الكفر ومحق أهله، وإعزاز الدين وصَون الدماء المسلمين (١).
مراحل تشريع القتال:
كان النبي ﷺ مأمورًا طيلة الحياة المكية، بالعفو والصفح، وكف اليد عن المشركين، كما قال تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (٢)، وقال تعالي: ﴿ُقل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (٣)
وعن ابن عباس ﵄: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابًا له أتوا النبي ﷺ بمكة فقالوا: يا رسول الله إنا كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة فقال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا ...) (٤).
ثم أذن الله للمسلمين في الجهاد دون أن يفرضه عليهم، قال تعالي: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير﴾ (٥) وهي أول آية نزلت في القتال كما قال ابن عباس ﵄ (٦).
ثم فرض الله عليهم قتال من قاتلهم دون من لم يقاتلهم، وذلك في المرحلة التي قال الله فيها: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللهُ
_________
(١) كتاب أحكام الجهاد وفضائله.
(٢) سورة البقرة – الآية١٠٩.
(٣) سورة الجاثية – الآية١٤.
(٤) أخرجه النسائي (٦/ ٣) والحاكم (٢/ ٣٠٧) وصححه.
(٥) سورة الحج – الآية٣٩.
(٦) أخرجه النسائي (٦/ ٢).
1 / 6
لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُوا فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾ (١).
وكانت خاتمة المراحل مرحلة قتال المشركين كافة: من قاتَلَنا منهم، ومن كف عنا، وغزوهم في بلادهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وهذه المرحلة هي التي استقر عندها حكم الجهاد، ومات عليها رسول الله ﷺ، وفي هذه المرحلة نزلت آية السيف وهي قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ﴾ (٢).وقال تعالي: ﴿َقاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (٣)
وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله ﷺ إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا ثم
_________
(١) سورة النساء – الآيتان ٩٠، ٩١.
(٢) سورة التوبة – الآية ٥.
(٣) سورة التوبة – الآية ٢٩.
1 / 7
قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا .. (١) رواه مسلم (٢).
وقد لخص الإمام ابن القيم ﵀ تلك المراحل في قوله: وكان محرمًا، ثم مأذونًا به، ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورًا به لجميع المشركين .... (٣).
ويقول الشيخ محمد عمر البالمبورى ﵀:
معني الجهاد إعلاء كلمة الله ﷿ .. أما القتال فهو آخر مرحلة فى الجهاد مثل العملية الجراحية، أو مثل الحشائش الضارة في الأرض والفلاح يقوم بتقطيعها حتى لا تؤثر في الزرع، ولو كان الجهاد هو القتال فما تفسير الآية المكية التي في سورة الفرقان حيث يقول الله ﷿ ﴿فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (٤) فهل كان فى مكة رفع سيف؟! ... ولكن الدين رحمة للناس نجتهد عليهم بجهد الدعوة إلى الله ﷿ ليسلموا ثم يدخلوا الجنة (٥).
_________
(١) في هذا الحديث حثّ على استحضار النية وتثبيت العزيمة في القتال، وإرشاد لآداب الغزو في الإسلام ٠
(٢) أخرجه مسلم (١٧٣١) وأبو داود (٢٦١٢) والترمذي (١٦١٧) وابن ماجه (٢٨٥٨) من حديث بريدة (مشكاة المصابيح – باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام – ٢/ ١١٥٠).
(٣) زاد المعاد: (٢/ ٥٨).
(٤) سورة الفرقان – الآية ٥٢.
(٥) كتاب كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله - باب هل هناك فرق بين لفظ الجهاد ولفظ الدعوة صـ ١٦٤.
1 / 8
مقارنة بين الدعوة والقتال:
أولا: القتال بدون دعوة مثل الصلاة بدون وضوء:
فعن ابن عباس (﵁): ما قاتل رسول الله ﷺ قوما حتى دعاهم (١).
ثانيا: شروط القتال في الإسلام ضد الكفار:
١) النية: أن تكون كلمة الله ﷾ هي العليا:
فعَنْ أبي موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري ﵁، قال: ُسئل رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل؟ فقال رَسُول الله: الله ﷺ: " من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه (٢) " مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ (٣).
_________
(١) رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد، وعبد الرازق في مصنفه، وأحمد في مسنده والطبراني في معجمه، والبيهقي في سننه، وابن النجار (حياة الصحابة_ باب الدعوة إلي الله في القتال١/ ٨٦.
(٢) الفضائل المذكورةُ في الجهاد خاصّة في من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الله هي " لا إله إلا الله "، ولا يقبل اللهُ من الأعمال إلا ما أريد به وجهه.
فيجب بهذا الإخلاص في الجهاد لله تعالى، وهو يدل على أن المسلمين ليس يغزون بناءً على شيءٍ من تلك النوايا، ولا يقصدون الاستيلاء على الكفار وبلادهم لأسبابٍ دنيويَّة، وإنما يريدون الهداية للبشرية كلها.
(٣) رياض الصالحين - باب الإخلاص صـ ٤٤.
1 / 9
٢) تحقيق الإسلام في حياة المسلمين:
ولذا كان الصحابة صدق الله العظيم يخرجون للناس، ويقولون لهم كونوا مثلنا.
٣) عدم وجوه شبه إسلام في الكفار:
قال تعالى: ﴿هُمُ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مّؤْمِنَاتٌ لّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ مّعَرّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لّيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيّلُوا لَعَذّبْنَا الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيم﴾ (١).
فمنع الله ﷾ الرسول ﷺ والصحابة ﵃ من دخول مكة بالقوة، لوجود مؤمنين ومؤمنات وسط الكفار، أسلموا سرا.
٤) استنفاذ كل طرق الدعوة:
كما في قصة نوح قال تعالى: ﴿قَالَ رَبّ إِنّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِيَ إِلاّ فِرَارًا *وَإِنّي كُلّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوَاْ أَصَابِعَهُمْ فِيَ آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا*ثُمّ إِنّي دَعَوْتُهُمْ
_________
(١) سورة الفتح - الآية ٢٥.
1 / 10
جِهَارًا * ثُمّ إِنّيَ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارا ً﴾ (١) يعنى العمل بكل الآيات التي نسختها آية السيف.
٥) الوقوف ضد عمل الدعوة:
أي الوقوف أمام المسلمين، الذين يتحركون لنشر الإسلام، ويمنعون الدعاة من دعوتهم.
٦) رفض الكفار دفع الجزية:
فعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله ﷺ إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه فى خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: " اغزوا باسم الله، فى سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعوهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، واخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا (يعنى عن ديارهم ويجاهدوا) فأخبرهم أنهم يكونوا كأعراب المسلمين، يجرى عليهم حكم الله الذي يجرى على المؤمنين، ولا يكون لهم فى الغنيمة والفيء شئ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن أبوا
_________
(١) سورة نوح - الآيات من ٥: ٩.
1 / 11
فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم .. الخ. رواه مسلم. (١) فيدفعون الجزية ويكونوا في حماية المسلمين.
وتتطلب هذه الحماية وجود المسلمين بين ظهراني المشركين، فيرى صفات المسلمين وأخلاقهم (العفة، الأمانة، الصدق، الحلم، الرحمة، .. الخ) فيتأثروا بأخلاق المسلمين .. فيدخلوا فى دينهم .. لما يروا فى دينهم من الصفات .. والأعمال التي يرونها لصلاح حياتهم.
ولذلك كثير من الناس دخلوا فى الإسلام بعدما فرض عليهم الجزية، بعد أن رأوا أخلاق وصفات المسلمين .. وكأن الجزية صورة عملية للدعوة، فإذا رفضوا كلا الأمرين (الدعوة، الجزية) حينئذٍ يقول الله ﷿ ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (٢) (٣).
٧) وجود إمام للمسلمين يعلن الحرب على الكفار:
أن يكون الجهاد تحت قيادة إمام مسلم وبقيادته، حتى يتدبروا أمرهم بينهم وأن يكون هناك قائد ينظم حركة الجهاد ومطلع على فنونه، فلا يجوز للمجاهدين أن يجاهدوا بدون إمام لهم حتى وإن قل عددهم أو كثر، مثلما لا يجوز للمسلمين الصلاة في جماعة بدون إمام، ومثلما لا يجوز للمسلمين العيش بدون حاكم أو إمام حتى وإن قل عددهم أو كثر عددهم.
ثالثا: لو سقط شرط واحد من شروط القتال يُعتبر القتال غير شرعي.
_________
(١) مشكاة المصابيح – باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام – ٢/ ١١٥٠.
(٢) سورة التوبة – الآيتان ١٤، ١٥
(٣) نقلا من كتاب كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله صـ ١٦٧
1 / 12
رابعا: قال المفسرون: أن آية السيف نسخت ١٢٤ آية من القرآن المكي، ولكن في الحقيقة نسخت ٩٠ سورة مكية (١) وتُسمى هذه السورة بقرآن الدعوة.
_________
(١) اختلفت عبارات العلماء في تحقيق هذه المراحل، فادعي بعضهم أن كل مرحلة جديدة نسخت حكم ما قبلها فالمراحل الثلاثة الأولي منسوخة اليوم، وإنما الباقية اليوم هي المرحلة الأخيرة وهي الرابعة فقط ٠٠ وخالفهم آخرون، فقالوا: إن المراحل الأولي ليست منسوخة، وإنما هي مرتبطة بظروف مخصوصة، كلما عادت، عادت أحكامها، ومن مقدمة من قال ذلك العلامة بدر الدين الزركشي ﵀ فإنه قال: إنه ليس في مراحل الجهاد نسخ، بل يعمل بكل مرحلة عند الحالة المشابهة للحالة التي شرعت فيها، ويقول في كتابه البرهان في علوم القرآن (١/ ٤١): قسم بعضهم النسخ من وجه آخر إلي ثلاثة أضرب: الثالث: ما أمر به لسبب ثم يزول السبب، كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر والمغفرة للذين لا يرجون لقاء الله ونحوه، من عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحوها، ثم نسخها إيجاب ذلك، هذا ليس بنسخ في الحقيقة وإنما هو نسأ كما قال تعالي: (أو ننسها) فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلي أن يقوي المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر علي الأذي٠٠ وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة التخفيف أنها منسوخة بآية السيف، وليست كذلك، بل هي من المنسأ، بمعني أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلي حكم آخر، وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة، حتى لا يجوز امتثاله أبدا.
والحقيقة أن هذا الاختلاف لا يرجع إلي فرق عملي، وإنما هو اختلاف اصطلاح، فكلهم يقول: إن هذه الأحكام منوطة بظروف مخصوصة فأحكام الصبر والعفو محكمة في حالة الضعف والعجز، وإباحة القتال في حالة هي فوق الحالة الأولي، ووجوب قتال الدفع هو حالة فوقها، ووجوب الابتداء عندما حصل علي المسلمون علي قوة يقدرون معها علي ذلك، ولكن الطائفة الأولي تسميها قسما من النسخ، والزركشي يسميه إنساء ولا يرضي بتسميته نسخا (كتاب أوليس في سبيل الله إلا من يقتل؟ صـ ٣٣).=
= وهذا الكلام في غاية العظمة وقد أوردته لأنه يوضح كلام الشيخ نعمان، حيث أنه بدأ الكلام بأثر ابن عباس الدال علي أن القتال لم يترك فيه الدعوة، وفي اليرموك قام خالد بن الوليد بدعوة جرجة إلي الله حتى أسلم أثناء القتال، وفي القادسية دعوة ربعي لرستم قائد الفرس قبل بدء القتال بثلاثة أيام٠٠ فالدعوة لم تنسخ بحال من الأحوال.
1 / 13
خامسا: بعض المقارنات بين القتال والدعوة:
١) قال تعالى: ﴿فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبيرًا﴾ (١)
نزلت في الدعوة .. وهي جهاد الفترة المكية .. والقتال في الفترة المدنية بعد الهجرة .. ولفظ الجهاد لم يذكر في القرآن المكي إلا ثلاث مرات وهم: (الآية ١١٠ من سورة النحل .. والآية ٥٢ من سورة الفرقان .. والآية ٦٩ من سورة العنكبوت) والسور المكية عددها من ٨٦: ٩٠ سورة، ولفظ القتال ذكر في السور المكية في آية واحدة في سورة المزمل، قال تعالى: ﴿إِنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أَنّكَ تَقُومُ أَدْنَىَ مِن ثُلُثَيِ الْلّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مّنَ الّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدّرُ الْلّيْلَ وَالنّهَارَ عَلِمَ أَلّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مّرْضَىَ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وَأَقْرِضُواُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدّمُوا لأنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ﴾ (٢) (٣).
_________
(١) سورة الفرقان - الآية ٠٥٢
(٢) سورة المزمل - الآية ٢٠ ٠
(٣) يقول ابن كثير ﵀ في تفسير هذه الآية: أي علم أن سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار في ترك قيام الليل من مرضى لا يستطيعون ذلك ومسافرين في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر وآخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم من الغزو في سبيل الله وهذه الآية بل السورة كلها مكية ولم يكن القتال شرع بعد فهي من أكبر دلائل النبوة، لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلة، ولهذا قال تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ﴾ أي قوموا بما تيسر.
1 / 14
أما السور المدنية مثل: البقرة وآل عمران والنساء والأنفال وبراءة والحشر وغيرها تتحدث عن القتال.
فالمرحلة المكية التي ذكر فيها القرآن، القتال ثلاث مرات، يوجد فيها جهد مكتسب، مثل: قيام الليل .. قراءة القرآن .. الذكر .. العفو والصفح .. كظم الغيظ .. الصبر .. الأخلاق الحسنة .. المحافظة علي الصلوات .. وعلاوة علي ذلك الدعوة إلي الله ﷿ .. وبذلك يهب الله ﷿ لنا الجهد.
فالجهد ليس المقصود، ولكن المقصود إحياء الدين ونشر الأعمال، في مرحلة التربية والإصلاح، وعندما تمت التربية واليقين علي الله ﷿ وصفاته عند الصحابة الكرام، أُذن لهم بالقتال.
ومعروف أن من أساسيات العلم: أنه لا يستغني بجهد، عن جهد آخر
، مثل: لا يجوز الاستغناء عن جهد الطهارة، بجهد الصلاة، أو بجهد الصيام عن الصلاة.
1 / 15
٢) دعوة الرسول ﷺ وقتاله رحمة:
لأن بعثته ﷺ رحمة، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ﴾ (١) لأنه ﷺ بديل بنزول العذاب الجماعي.
فسورة التوبة بدون البسملة وفيها:
قال تعالى: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ﴾ (٢).
وقال تعالى: ﴿وَإِن نّكَثُوَاْ أَيْمَانَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوَاْ أَئِمّةَ الْكُفْرِ إِنّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلّهُمْ يَنتَهُونَ﴾ (٣).
وقال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مّؤْمِنِينَ* وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَىَ مَن يَشَآءُ
وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (٤).
_________
(١) سورة الأنبياء – الآية ١٠٧.
(٢) سورة التوبة – الآية ٥.
(٣) سورة التوبة - الآية ١٢.
(٤) سورة التوبة – الآيتان ١٤، ١٥.
1 / 16
وقال تعالى: ﴿ِإنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَات وَالأرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفّةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللهَ مَعَ الْمُتّقِينَ﴾ (١).
وفى آخر السورة قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ﴾ (٢) فدعوته ﷺ رحمه، وأيضا قتاله رحمه.
٣) والقتال لحل مشكلة دعوية: فالكافر الذي نقاتله هو رفض رحمة الله ﷾ .. رفض الحق بنفسه .. ولكن عندما يمنع وصول رحمة الله ﷾ لغيره، نقاتله حتى يمكن توصيل الرحمة لمن خلفه ٠
كونوا مثلنا (أي اسلموا مثلنا) .. أو دفع الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون .. أو نقاتلكم .. يعنى يبدأ القتال بالدعوة وينتهي بالدعوة أيضا .. أي الدعوة الأصل.
٤) القتال حاجه والدعوة مقصد: وإليك بعض الأمثلة لتوضيح ذلك:
أ_ مثل الطبيب: يقطع رجل المريض لمصلحة باقي الجسم، قال تعالى: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مّنَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَآئِبِينَ﴾ (٣) فقتل جزء صغير من الكفار لمصلحة باقي الكفار.
_________
(١) سورة التوبة– الآية ٣٦.
(٢) سورة التوبة – الآية ١٢٨.
(٣) سورة آل عمران - الآية ١٢٧.
1 / 17
ب - مثل المدرس: يستعمل العصا ليضرب بها الطلبة حتى يهتموا ... بتحصيل العلم .. ولكن من رآه فقط في حالة الضرب، وسُئلَ عن المدرس؟ فيقول: هو الذي يضرب الطلبة بالعصا ..؟ ومعروف قصة خالد بن الوليد ﵁ مع جرجة قائد الروم ودعوته وسط المعركة .. واستشهاده بعد إسلامه.
ج - مثل الشرطي .. يضرب بالعصا أو المسدس ضد الخارجين على القانون لمصلحة باقي الناس، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ﴾ (١) سواء كان ذلك دعوة أو عمل صالح أو قتال .. فالمقصود بالدعوة: الرحمة فيسلم المدعو فيدخل الجنة.
٥) ومقصود القتال: إيصال الرحمة إلي من وراء المانع للدعوة، قال تعالى:
﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مّنَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ﴾ (٢) مثل خالد وعكرمة وغيرهم.
٦) الدعوة: استخدام القوة الخُلقية:
قال تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ (٣).
وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا﴾ (٤) ً.
وقال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (٥).
_________
(١) سورة الأنبياء - الآية ١٠٧.
(٢) سورة آل عمران - الآية ١٢٧.
(٣) سورة الحجر - الآية ٨٥.
(٤) سورة المعارج - الآية ٥.
(٥) سورة المزمل - الآية ١٠.
1 / 18
وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لّهُمْ كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوَاْ إِلاّ سَاعَةً مّن نّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (١).
أما القتال: استخدام القوة الغضبية:
ولا يستطيع أحد أن يوقف القوة الخُلقية بمعنى حين تُكرم أحد فلا يقول لك لا تُكرمني .. أو لا تعفو عنى أو لا تعاملني بأخلاق كريمة.
ولكن لا يستطيعون إيقاف القتال أو يتغلبوا عليه فالمقاتل قد يمنع أو يهزم .. أما الداعي فلا يستطيع أحد أن يمنعه.
٧) الدعوة جهد عام لكل الأمة:
قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (٢) فالكل يقوم بها بدون أعذار (يقوم بها الضعيف والقوى .. المريض والصحيح .. الغني والفقير .. المبصر والأعمى .. الأعرج والسليم .. الأُمي والمتعلم .. الصغير والكبير .. المرأة والرجل .. الشاب والشيخ.
أما القتال فجهد خاص: لأن فيه أعذار، مثل المريض، والأعمى، والأعرج، قال
_________
(١) سورة الأحقاف - الآية ٣٥.
(٢) سورة يوسف - الآية ١٠٨.
1 / 19
تعالى: ﴿لّيْسَ عَلَى الضّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىَ الْمَرْضَىَ وَلاَ عَلَى الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ *وَلاَ عَلَى الّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلّوْا وّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَنًا أَلاّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ (١) (٢).
وقال تعالى: ﴿لّيْسَ عَلَى الأعْمَىَ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى
_________
(١) سورة التوبة - الآيتان ٩١، ٩٢ ٠
(٢) وجوب الدعوة علي أهل الحرج: بين تعالى في هذه الآية الأعذار التي لا حرج على من قعد فيها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوهما، ولهذا بدأ به. ما هو عارض بسبب مرض عن له في بدنه، شغله عن الخروج في سبيل الله، أو بسبب فقره لا يقدر على التجهز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالناس، ولم يثبطوهم، وهم محسنون في حالهم هذا؛ ولهذا قال: (ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم)
وقال سفيان الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ثمامة ﵁ – قال: قال الحواريون: يا روح الله، أخبرنا عن الناصح لله؟ قال: الذي يؤثر حق الله على حق الناس، وإذا حدث له أمران – أو: بدا له أمر الدنيا وأمر الآخرة – بدأ بالذي للآخرة ثم تفرغ للذي للدنيا.
1 / 20