الأنوار الكاشفة لما في كتاب «أضواء على السنة» - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
علي بن محمد العمران
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
كتابة الحديث في عهد النبي ﷺ
تعرَّض أبو ريَّة ص ٧ ــ ٨ لهذه القضية، ثم أفردها بفصل ص ٢٣، فمما قاله: (... تضافرت الأدلة ... على أن أحاديث الرسول صلوات الله عليه لم تكتب في عهد النبي ﷺ كما كان يكتب القرآن، ولا كان لها كُتَّاب يُقيّدونها عند سماعها منه وتلفظه بها ..).
أقول: قد وقعت كتابةٌ في الجملة كما يأتي، لكن لم تشمل ولم يؤمر بها أمرًا.
أما حكمة ذلك فمنها: أن الله ﵎ كما أراد لهذه الشريعة البقاء أراد سبحانه أن لا يكلِّف عباده من حفظها إلا بما لا يشقّ عليهم مشقة شديدة، ثم هو سبحانه يحوطها ويحفظها بقدرته، كان النبي ﷺ إذا نزل عليه الوحي يعجل بقراءة ما يوحى إليه قبل فراغه خشية أن ينسى شيئًا منه، فأنزل الله عليه: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤]، وقوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: ١٦ ــ ١٩]، وقوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ [الأعلى: ٦ ــ ٨].
وكانت العرب أمة أُميّة يندر وجود من يقرأ أو يكتب منهم، وأدوات الكتابة عزيزة، ولاسيما ما يكتب فيه. وكان الصحابة محتاجين إلى السعي في مصالحهم، فكانوا في المدينة منهم من يعمل في حائطه، ومنهم من يبايع في الأسواق، فكان التكليف بالكتابة شاقًّا، فاقتصر منه على كتابة ما ينزل من
12 / 41