العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير
محقق
خالد بن عثمان السبت
الناشر
دار عطاءات العلم (الرياض)
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
مكان النشر
دار ابن حزم (بيروت)
تصانيف
وقد قَدَّمْنَا (^١) أن هذا المفعولَ الثانيَ في (اتخاذهم العجلَ إِلَهًا) محذوفٌ في جميعِ القرآنِ، وأن بعضَ العلماءِ قال: النكتةُ في حذفِه دائمًا هي التنبيهُ على أنه لا ينبغي أن يُتَلَفَّظَ بأن عِجْلًا مُصْطَنَعًا من حُلِيٍّ إِلَهٌ.
وقال جل وعلا: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ الفاءُ سببيةٌ، وقد تقررَ في فَنِّ الأصولِ في مسلكِ (الإيماءِ والتنبيهِ) (^٢) أن الفاءَ من حروفِ التعليلِ، وأن ما قَبْلَهَا علَّة لِمَا بَعْدَهَا، كقولهم: «سَهَا فَسَجَدَ»، أي: لِعِلَّةِ سَهْوِهِ، و«سرق فقُطِعَتْ يدُه» أي: لعلةِ سرقتِه، ﴿ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا﴾ أي: لعلةِ ظُلْمِكُمْ. ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ قد قدَّمنا معنى التوبةِ واشتقاقَها في أولِ هذه السورةِ الكريمةِ.
وقولُه: ﴿إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ أي: خَالِقُكُمْ وَمُبْرِزُكُمْ من العدمِ إلى الوجودِ. وقد ذَكَرَ (جل وعلا) الخالقَ البارئَ من صفاتِه كما قال في أخرياتِ الحشرِ: ﴿الخَالِقُ البَارِئُ﴾ [الحشر: آية ٢٤]، و(الخالقُ) اسمُ فاعلِ الخلقِ، والخلقُ في اللغةِ: التقديرُ. و(البارئُ) هو الذي يَفْرِي ما خَلَقَ؛ فمعنى خَلَقَ: قَدَّرَ، ومعنى بَرَأَ: أنفذَ ما قَدَّرَ، وأبرز من العدمِ إلى الوجودِ،
والعربُ تُسَمِّي التقديرَ خَلْقًا، ومنه قولُ زهيرِ بنِ أَبِي سُلْمَى (^٣):
وَلأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وبَعْـ ... ـضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي
(^١) مضى عند تفسير الآية (٥١) من سورة البقرة. (^٢) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ١٧١) شرح الكوكب المنير (٣/ ٤٧٧) (٤/ ١٢٥). (^٣) القرطبي (١/ ٢٢٦)، الدر المصون (١/ ١٨٨).
1 / 92