العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير
محقق
خالد بن عثمان السبت
الناشر
دار عطاءات العلم (الرياض)
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
مكان النشر
دار ابن حزم (بيروت)
تصانيف
ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [فاطر: آية ٣٣] وقال بعضُ العلماءِ: حُقَّ لهذه الواوِ أن تُكْتَبَ بماءِ العينين (^١).
يعني: واو ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾؛ لأنه وَعْدٌ من الله صادقٌ، شاملٌ بظاهرِه الظالمَ والمقتصدَ والسابقَ.
وفي الآيةِ سؤالٌ معروفٌ وهو أَنْ يقالَ: ما الحكمةُ في تقديمِ الظالمِ لنفسِه في الوعدِ بجناتِ عدنٍ وتأخيرِ السابقِ (^٢)؟ وللعلماءِ عن هذا أجوبةٌ معروفةٌ، منها: أنه قدَّم الظالمَ لِئَلَاّ يَقْنَطَ، وأخَّر السابقَ بالخيراتِ لئلا يُعْجَبَ
بعملِه فَيُحْبَطَ. وقال بعضُ العلماءِ: أكثرُ أهلِ الجنةِ الظالمونَ لأنفسهم، فبدأَ بهم لأَكْثَرِيَّتِهِمْ.
وَمِمَّا يدلُّ على أفضليةِ أمةِ محمد ﷺ على بني إسرائيلَ: أن الابتلاءَ الذي يظهرُ به الفضلُ وَعَدَمُهُ إنما يكونُ بخوفٍ أو طَمَعٍ، وقد ابْتَلَى أصحابَ النبيِّ محمد ﷺ بخوفٍ، وابتلاهم بطمعٍ، وابتلى بني إسرائيلَ بخوفٍ، وابتلاهم بطمعٍ، أما الخوفُ الذي ابتلى اللَّهُ (جل وعلا) به أصحابَ محمد ﷺ: فهو أنهم لما غَزَوْا غزاة بدرٍ، وسَاحَلَ أبو سفيان بِالْعِيرِ، واستنفرَ لهم النفيرَ، وجاءهم الخبرُ بأن العير سَلِمَتْ، وأن الجيشَ أَقْبَلَ إليهم، وأخبرهم النبيُّ ﷺ بذلك، قال له المقدادُ بنُ عمرٍو ﵁: وَاللَّهِ لو سِرْتَ بنا إلى بَرْك الغِمَادِ (^٣) لَجَالَدْنَا مِنْ دُونِهِ معكَ، ولو خُضْتَ بنا هذا البحرَ لَخُضْنَاهُ،
_________
(^١) انظر: أضواء البيان (٦/ ١٦٥).
(^٢) انظر: القرطبي (١٤/ ٣٤٩)، الأضواء (٦/ ١٦٥).
(^٣) (بَرْك) بفتح الباء وإسكان الراء، وهو المشهور في روايات المحدثين. و(الغِماد) بغين معجمة مكسورة، ومضمومة لغتان مشهورتان، والكسر أفصح، وهو الأشهر عند المحدثين، والضم أشهر في كتب اللغة، وهر موضع من وراء مكة بخمس ليال، بناحية الساحل، وقيل غير ذلك، قال إبراهيم الحربي: «برك الغماد، وسعفات هجر كناية، يُقال فبما تباعد» انظر: النووي على مسلم (٤/ ٤١١)، معجم البلدان (١/ ٣٩٩)، فتح الباري (٧/ ٢٣٢).
1 / 57