213

العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير

محقق

خالد بن عثمان السبت

الناشر

دار عطاءات العلم (الرياض)

رقم الإصدار

الخامسة

سنة النشر

١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

مكان النشر

دار ابن حزم (بيروت)

تصانيف

الوجهُ الثاني: أن المرادَ بالكتابِ: القرآنُ، والمعنى: ما ضَيَّعْنَا في هذا الكتابِ من شيءٍ، بل جَمَعْنَا فيه كُلَّ شيءٍ يحتاجُ إليه الخلقُ. وقد نَصَّ اللَّهُ على هذا المعنَى صريحًا في سورةِ النحلِ، ليس فيه خلافٌ، وهو قولُه: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: آية ٨٩] فهذه في القرآنِ بلا خلافٍ تدلُّ على أنه يُبَيِّنُ كُلَّ شيءٍ؛ لأن في القرآنِ كُلَّ شيءٍ، والناسُ إنما يأخذونَ بقدرِ استعدادِ أَذْهَانِهِمْ، كُلٌّ يَغْرِفُ بحسبِ فَهْمِهِ، وقد ثبتَ في صحيحِ البخاريِّ عن أبي جحيفةَ أنه لَمَّا سألَ عَلِيًّا ﵁: «هل خَصَّكُمْ رسولُ اللَّهِ ﷺ بشيءٍ؟» قال عَلِيٌّ ﵁ فيما ثبتَ عنه في صحيحِ البخاريِّ: «لَا والذي فَلَقَ الحبَّةَ وبرأَ النسمةَ، إلا فَهْمًا يُعطيه اللَّهُ رجلًا في كتابِ اللَّهِ، وما في هذه الصحيفةِ». قال: «وَمَا فِي هذه الصحيفةِ؟» قال: «العقلُ، وفِكَاكُ الأسيرِ، وألا يُقْتَلَ مسلمٌ بِكَافِرٍ» (^١) فقولُ عَلِيٍّ ﵁ في هذا الحديثِ الصحيحِ جوابًا لـ: «هل خصَّكم رسولُ الله بشيءٍ؟»: «لا، إلا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ ...» يُفهم منه أن مَنْ أعطاه اللَّهُ فهمًا في كتابِ اللَّهِ يُخَصُّ بخصائصَ مِنَ العلومِ لم يُخَصَّ بها غيرُه، وما ذلك إلا أن القرآنَ جَمَعَ كُلَّ شيءٍ، منه ما يَطَّلِعُ عليه كُلُّ الناسِ، ومنه ما يَطَّلِعُ عليه الراسخونَ في العلمِ، ومنه ما يَعْلَمُهُ النبيُّ، ومنه ما لا يَعْلَمُهُ إلا اللَّهُ (جل وعلا).
وَكُلُّ ما في السُّنَّةِ جَمِيعًا، فهو في كتابِ اللَّهِ؛ لأن اللَّهَ قال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: آية ٧]. فَالسُّنَّةُ كُلُّهَا تَشْمَلُهَا كلمةٌ مِنْ بَحْرِ القرآنِ. وهذا معنى قولِه: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ التفريطُ في الشيءِ: هو تَضْيِيعُهُ.

(^١) تقدم تخريجه في مقدمة الكتاب.

1 / 217