العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير
محقق
خالد بن عثمان السبت
الناشر
دار عطاءات العلم (الرياض)
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
مكان النشر
دار ابن حزم (بيروت)
تصانيف
ثم قال لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأنعام: آية ٣٥] والجاهلونَ: جمعُ الجاهلِ، فهو اسمُ فاعلِ الجهلِ، وكلامُ العلماءِ في (الجهلِ) وفي تفسيرِه معروفٌ (^١)، أشهرُ تفسيراتِه: أن الجهلَ عَدَمِيٌّ، وأن المرادَ به عدمُ العلمِ بما مِنْ شَأْنِهِ أن يُعلم.
وهذه الآيةُ وأمثالُها في القرآنِ يخاطبُ اللَّهُ بها نَبِيَّهُ ﷺ لِيُشَرِّعَ على لسانِه لِخَلْقِهِ؛ لأن النبيَّ ﷺ مُشَرِّعٌ، يخاطبُه اللَّهُ خطابَ السيدِ لعبدِه؛ لِيُشَرِّعَ على لسانِه لِخَلْقِهِ.
[١/ب] ثم إن اللَّهَ بَيَّنَ لنبيِه ﷺ أن عدمَ هُدَاهُمْ الذي كان يُحْزِنُهُ وَيُؤْسِفُهُ / أنه لا يهتدي إلا مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ قابلًا لذلك الْهُدَى، لا مَنْ أَضَلُّهُ اللَّهُ وأماتَ قلبَه - والعياذُ بالله - ولذا قال بعدَ هذا: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ [الأنعام: آية ٣٦] أي: لا يُجِيبُكَ إلى ما تطلبُ وتدعو من الْهُدَى، إلا الذين يَسْمَعُونَ، أي: جَعَلَ اللَّهُ لهم سماعَ حقٍّ وَتَفَهُّمٍ يسمعونَ به عن اللَّهِ، أما الذين [أَعْمَى] (^٢) اللَّهُ أَبْصَارَهُمْ، وَخَتَمَ على آذانِهم فلا يجيبونك أبدًا، فلا تَحْزَنْ عليهم، فليسَ فيهم حِيلَةٌ؛ لأن رَبَّهُمْ قضى عليهم بالشقاءِ الأَزَلِيِّ؛ ولذا قال هنا: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ أي: يستجيبُ لكَ، وَيُجِيبُكَ فيما تدعوه إليه من الإسلامِ ﴿الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ سماعَ تَفَهُّمٍ بأن وَفّقَهُمُ اللَّهُ، وأعطاهم سماعَ تَفَهُّمٍ يفهمون به ويقبلونَ، أما الذين لم يُعْطِهِمُ اللَّهُ سماعَ تَفَهُّمٍ فهم صُمّ وإن كانوا يسمعونَ، كما قال تعالى في المنافقين: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ [البقرة: آية ١٨] صرح بأنهم (صُمٌّ) وأنهم (بُكْمٌ) وأنهم (عُمْيٌ)، ومع ذا يقولُ
(^١) مضى عند تفسير الآية (٦٧) من سورة البقرة. (^٢) في الأصل: أصم.
1 / 194