العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير
محقق
خالد بن عثمان السبت
الناشر
دار عطاءات العلم (الرياض)
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
مكان النشر
دار ابن حزم (بيروت)
تصانيف
ففعلنا، واليومَ يقولون: مِنَّا نبيٌّ! فَمَنْ لنا بهذه؟ وَاللَّهِ لا نعترفُ بنبوتِه أبدًا (^١)!!
ولا شكَّ أن هنالك قومًا من الجهلةِ يسمعونَ كلامَ الرؤساءِ فَيَظُنُّونَ أنه كاذبٌ، ويعتقدون كذبَه. إذا عرفتُم هذا فقولُه: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ راجعٌ إلى الذين عَلِمُوا صِدْقَهُ. وكثيرٌ من عقلائِهم عَالِمٌ في قرارةِ نفسِه أن النبيَّ ﷺ نَبِيٌّ، وأنه رسولٌ، وهم يَجْحَدُونَ ذلك ظُلْمًا. وعليه فالمعنَى: ﴿لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ في الحقيقةِ، فيما بينهم وبينَ أنفسهم، ولكن الظالمين يَجْحَدُونَ آياتِ اللَّهِ التي أُنْزِلَتْ عليه، فلم يعترفوا بأنها من اللَّهِ، كما قال له أبو جهلٍ: أنتَ عندنا صادقٌ، ولا نُكَذِّبُكَ، ولكن نُكَذِّبُ هذا الذي جئتَ به (^٢).
أما على قراءةِ: ﴿فإنهم لا يُكْذِبُونَك﴾ فـ (أَكْذَبَ) بصيغةِ (الإفعالِ) تفترقُ مع (كذَّب) بمعنيين (^٣):
أحدُهما: أن الفرقَ بينَ (كذَّب) و(أَكْذَبَ): أنكَ إذا كَذَّبْتَ إِنْسَانًا، معناه قلتَ له: كَذَبْتَ، وَنَسَبْتَهُ إلى افتراءِ الكذبِ. وإذا قيلَ: أَكْذَبَ إنسانٌ إنسانًا، معناه: أن كلامَه يعتقدُ أنه كَذِبٌ، ولا يُنْسَبُ ذلك الإنسانُ إلى الكذبِ، بل يقولُ: لعله أَخْطَأَ، أو نَسِيَ، أو سَهَا وهو لا يقصدُ الكذبَ أو تَخَيَّلُ له غيرُ الْحَقِّ. فمعنى «أَكْذَبَ» على هذا: أنه لا يتعمدُ الكذبَ، وأنه
(^١) أخرجه ابن جرير (١١/ ٣٣٣)، والواحدي في أسباب النزول ص (٢١٦) عن السدي مرسلا. على أن ذلك كان في يوم بدر. وروى ابن إسحاق نحوه عن الزهري مرسلا. على أن ذلك كان في مكة قبل الهجرة. انظر: السيرة لابن هشام (١/ ٣٢٨ - ٣٢٩)، تفسير ابن كثير (٢/ ١٢٩). (^٢) مضى قريبا. (^٣) انظر: حجة القراءات ص (٢٤٧)، القرطبي (٦/ ٤١٦)، البحر المحيط (٤/ ١١١).
1 / 180