والمرسلين وأخذنا بهَدْي عباد الله الصالحين؛ وإنما أشكل القول في هذا المذهب على قوم مدحوا الصّمت، وكرِهوا كثير القول؛ وقليل الكلام عندهم فضل، وكثيره هُجْرٌ، وفيه اللّغو الذي يجب أن يُتجنّب، والحشو الذي لا ينبغي أن يُعتاد.
وهؤلاء قوم - أكرمك الله - لا يعرفون فضل ما بين التفيهُق المذموم والبلاغة المحمودة، والتشدُّق المكروه والخطابة الحسنة، وما هو من باب البيان المشتمل على الحِكمة، وما هو من باب العِيِّ الشَّاهد بالهُجنة؛ ومتى كان ذكر المهتوك حرامًا، والتشنيع على الفاسق مُنكرًا، والدلالة على النّفاق خطَلًا، وتحذير الناس من الفاحش المتفحّش جهلًا؟ هذا ما لا يقوله من قام بالموازنة وبالمكايلة، وعرف الفرق بين المكاشفة والمجاملة؛ وإنما غَزُر الأدب، وكثُر العلم، وجزُلت العبارة، وانبعَجَت العِبر، واستفاضت التجارب، لما وقفوا عليه من أنباء الناس وقصصهم وأحاديثهم في خيرهم وشرهم، وفي وفائهم وغدرهم، ونُصحهم
1 / 70