وأما الجاحظ فإنه يقول في رسالة: سألتني - أبقاك الله - عن فلان، وأنا أخبرك بالأثر الذي يدلّ على صحّة الخبر، وبالواضح الذي يدلّ على الخَفيّ، والظاهر الذي يقضي على الباطن؛ فتَفهَّم ذلك - رحمك الله - ولا قوة إلاّ بالله.
فمن ذلك أني رأيته، وهو في جيرانه كالحيضة المنسية، وكلّهم يعرفه بالأُبنة، وله غُلام مَديد القامة، عظيم الهامة، ذو ألواحٍ وأفخاذٍ وأوراك وأصداغ؛ أشعر القفا، يلبس الرقيق من الثياب، ويُثابر على العطر ودخول الحمّام، ويتزيّن ويقلّم الأظفار؛ وكان - مع هذه الصِّفة - المدبِّر لأمره، والمشفَّع لديه، والحاكم على مولاه دون بنيهِ وأهله وخاصّته، والصارف له عن رأيه، إلى رأيه، وعن إرادته إلى هواه، وكان أكثر أهله معه جلوسًا، وأطولهم به خَلْوةً، ولا يبيتُ إلاّ معه، وإذا غضب حَزَنه غضبه وطلب رِضاه، وكان أيام ولايته لا يتقدّمه قريب ولا بعيد، ولا شريف ولا وضيع؛ إن ركِب فهو في موضع صاحب الحرس من الخليفة، وإن قعد ففي موضع الولد السارّ والزوجة البارّة، وإن التوت على أحد حاجة كان له من ورائها،
1 / 61