وأنكروا عليه حكايته عن أبي تراب النخشبي أنه قال لمريد له: لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من رؤية الله عز وجل سبعين مرة (!؟) قال ابن القيم: وهذا الكلام فوق الجنون بدرجات. (13)
وأنكروا عليه تقريره لرمي الشبلي ما كان معه من الدنانير في دجلة، وقوله: ما أعزك عبد إلا أذله الله تعالى. قال ابن القيم: وأنا أتعجب من أبي حامد أكثر من تعجبي من هؤلاء الجهلة بالشريعة، كيف يحكي ذلك عنهم على وجه المدح لهم، لا على وجه الانكار، وأي رائحة بقيت من الفقه عند أبي حامد حتى يكتب عنه شيء من العلم؟ فإن الفقهاء كلهم يقولون إن رمي المال في البحر لا يجوز. (14)
وأنكروا عليه تقريره قول أبي سليمان الداراني: إذا طلب الرجل الحديث، أو سافر في طلب المعاش، أو تزوج، فقد ركن إلى الدنيا (!؟) قالوا: هذه الأشياء الثلاثة مخالفة لقواعد الشريعة. وكيف لا يطلب الحديث وقد ورد: «إن الملائكة لتضع أجنحتها على طلب العلم»؟ وكيف لا يطلب المعاش وقد قال عمر رضي الله عنه: «لأن أموت من سعي رجلي أطلب كفاف وجهي أحب إلي من أن أموت غازيا في سبيل الله»؟ وكيف لا يطلب التزويج، وصاحب الشرع
صلى الله عليه وسلم
يقول: «تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة»؟ (15)
وأنكروا عليه تقريره قول أبي حمزة البغدادي: إني لأستحيي من الله أن أدخل البادية وأنا شبعان، وقد اعتقدت التوكل، لئلا يكون شبعي زادا تزودت به (!) قالوا: ومن العجب اعتذاره عن أبي حمزة بقوله: كلام أبي حمزة صحيح، ولكن يحتاج إلى شرطين؛ أحدهما: أن تكون للإنسان قدرة من نفسه بحيث يمكنه الصبر عن الطعام أسبوعا ونحوه. الثاني: أن يمكنه التقوت بالحشيش، ولا تخلو البادية من أن يلقاه الذي معه طعام بعد أسبوع، أو ينتهي إلى محلة أو حشيش يجد به ما يقوته. قال ابن القيم: أقبح ما في هذا القول صدوره في فقيه فإنه قد لا يلقى أحدا، وقد يضل، وقد يمرض فلا يصلح له الحشيش، وقد يلقاه من لا يطعمه، وقد يموت فلا يدفنه أحد. (16)
وأنكروا عليه ما أجاب به من سأله عن رجل يدخل البادية بلا زاد حيث قال: هذا من فعل رجال الله، قيل له فإن مات؟ قال: الدية على العاقلة (!) قالوا: هذه فتوى جاهل بقواعد الشريعة، إذ لا خلاف بين فقهاء الإسلام أنه لا يجوز لأحد دخول البادية بغير زاد، وإن فعل ذلك ومات بالجوع فهو عاص مستحق للعقوبة في الآخرة. (17)
وأنكروا عليه أيضا ما حكاه عن شقيق البلخي أنه رأى مع شخص رغيفا ليفطر عليه من صومه فهجره، وقال: تمسك رغيفا إلى الليل! (18)
وكذلك أنكروا عليه قوله: اعلم أن ميل قلوب أهل التصوف إنما هو إلى تحصيل العلوم اللدنية، دون العلوم النقلية، ولذلك لم يحضوا على دراسة العلم، ولا تحصيل ما صنفه المصنفون، وإنما حضوا على الاشتغال بالله تعالى وحده، والاشتغال بذكر الله فقط(!؟) (19)
وأنكروا عليه تفسير قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام:
صفحة غير معروفة