وقد كتب القشيري رسالته هذه: «إلى جماعة الصوفية ببلدان الإسلام في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة» كما قال في المقدمة فهي إذن منشور عام لإصلاح المتصوفة في ذاك الحين، وقد ابتدأها بصرخة تشبه التي نقلناها للغزالي من منهاج العابدين، فهو يقول: «اعلموا رحمكم الله أن المحقين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم، ولم يبق في زماننا هذا من هذه الطائفة إلا أثرهم، كما قيل:
أما الخيام فإنها كخيامهم
وأرى نساء الحي غير نسائها
حصلت الفترة في هذه الطريقة، بل اندرست بالحقيقة ... إلخ».
وقد شرح القشيري في بداية هذه الرسالة اعتقاد طائفة الصوفية في مسائل الأصول في التوحيد، ثم ذكر تراجم اثنين وثمانين من مشايخ الصوفية بإيجاز، ثم فسر الألفاظ التي تدور بين هذه الطائفة، وبين ما يشكل فيها على المريدين، كالوقت، والمقام، والحال، والقبض، والبسط، والتواجد، والوجد، والوجود، إلى آخر ما قال.
ثم وضع عدة أبواب في المجاهدة، والخلوة، والعزلة، والمراقبة، والصبر، والشكر، والخوف، والرجاء، وما إلى ذلك مما يهم السالكين.
وتمتاز هذه الرسالة بكثرة النقل عن المتقدمين من شيوخ الطريق، وقد صدق الزبيدي فيما رآه من أن الغزالي اعتمد عليها عند تأليف الإحياء، وإن كانت النسبة بين الكتابين بعيدة من جهة المادة، ومن السهل أن يثبت الإنسان أثر هذه الرسالة في أكثر أبواب الإحياء، وما أدري لم لم يشهد الغزالي بذكر مؤلفها ومؤلف قوت القلوب، مع أن فضلهما عليه كبير!
الفصل الثالث
من عرف الغزالي من الصوفية
ويجمل بنا أن نذكر طائفة من الصوفية الذين عرفهم الغزالي ونريد بذلك من قرأ لهم، واستشهد بكلامهم في مؤلفاته، لأن تأثيرهم غير قليل في تكييف أحكامه الأخلاقية، وطبعها بذلك الطابع الصوفي المعروف.
صفحة غير معروفة