207

الأخلاق عند الغزالي

تصانيف

ولا يفوتنا أن ننوه بما وفق إليه الغزالي حين قال: «وعلى الجملة، فإذا لم يكن حب السعادة في الآخرة مناقضا لحب الله تعالى، فحب السلامة، والصحة والكفاية والكرامة في الدنيا، كيف يكون مناقضا لحب الله؟ والدنيا والآخرة عبارة عن حالتين إحداهما أقرب من الأخرى. فكيف يتصور أن يحب الإنسان حظوظ نفسه غدا ولا يحبها اليوم؟ وإنما يحبها غدا لأن الغد سيصير حالا راهنة. فالحالة الراهنة لا بد أن تكون مطلوبة. إلا أن الحظوظ العاجلة مقسمة إلى ما يضاد حظوظ الآخرة ويمنع منها، وهو الذي احترز عنه الأنبياء، وأمروا بالاحتراز عنه. وإلى ما لا يضاد، وهو الذي لم يمتنعوا عنه كالنكاح الصحيح وأكل الحلال.

وليس بمستنكر أن يشتد حبك لإنسان لجملة أغراض لك ترتبط به، ولا يستحيل اجتماع الأغراض الدنيوية والأخروية، فهو داخل في جملة الحب لله».

وإنما نوهنا بهذه الفقرة لأنها في صوابها تناقض ما يردده الغزالي من احتقار الأغراض الدنيوية، والإشادة بالحياة الأخروية مما يخيل إلى القارئ أن الدنيا عنده أحقر من أن تتعلق بها الأغراض.

الحب لله

وقد يحب الإنسان في الله ولله. ودون أن ينال منه شيئا، أو يتوسل به إلى أمر وراء ذاته، وهذا أعلى الدرجات، وهو غاية في الدقة والغموض.

ميزان الحب

بين الغزالي أن المرء قد يحب لذاته، وقد يحب لمقصود دنيوي أو أخروي ينال منه، وقد يحب لله، لا لغرض يقصد في حال أو مآل.

ولكن ما هي دلائل ذلك الحب، حميدا كان أو غير حميد؟ وبأي ميزان يوزن ذلك الميل، حتى تعرف درجات المحبين؟

لقد وضع الغزالي ميزانا هو أدق موازين الحب في هذا الوجود، وهو المال! وانظر قوله: «ومن أحب ملكا أو شخصا جميلا أحب خواصه وخدمه، وأحب من أحبه، إلا أنه يمتحن الحب بالمقابلة بحظوظ النفس، وقد يغلب بحيث لا يبقى للنفس حظا إلا فيما هو حظ المحبوب، وعنه عبر من قال:

أريد وصاله ويريد هجري

صفحة غير معروفة