تمهيد
نذكر في هذا الباب خلاصة لآراء الغزالي في العلم والعمل والفرق بين علم الدنيا وعلم الآخرة، وكيف يفهم علم الفقه، وعلم التوحيد، ثم نذكر بالإيجاز فهمه للفنون الجميلة ، ثم نبين المنهج الذي وضعه لتربية الأطفال، وما يراه من آداب المعلمين والمتعلمين، وكيف أهمل تربية البنات.
الفصل الأول
العلوم
تكلم الغزالي عن العلم والعمل، وأيهما أفضل للمريد، في مواطن كثيرة من مؤلفاته في الأخلاق.
وقد لاحظت أنه لم يكن موحد الرأي في هذا البحث، فتارة يقدم العلم على العمل، وأخرى يقدم العمل على العلم. ويخيل إلي أن نزعته الصوفية كانت سبب هذا التردد، بل وأحسب أيضا أنه كان يداري أهل عصره، ويسايرهم في كثير من الشؤون. فقد أراه يهم بالكشف عن المقصود من العلم ثم يتراجع. ولو جرؤ قليلا لبين لنا أن العلم النافع لا يقتصر على معرفة العبادات، وما إليها من دقائق التصوف والتوحيد، بل هنالك البحث في طبائع الأشياء، والتنقيب عن السر في أن الله سخر لنا ما في الأرض جميعا.
غير أنه لم يكد يذكر قوله عليه السلام: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر»، حتى اندفع يقول «ذلك العلم المقدم على العمل لا يخلو: إما أن يكون هو العلم بكيفية العمل، وهو الفقه وعلم العبادات، وإما أن يكون علما سواه. وباطل أن يكون الأول لوجهين: أحدهما أنه فضل العالم على العابد، والعابد هو الذي له العلم بالعبادة، وإلا فهو عابث فاسق، والثاني أن العلم بالعمل لا يكون أشرف من العمل، لأن العلم بالعمل لا يراد لنفسه، وإنما يراد للعمل، وما يراد لغيره يستحيل أن يكون أشرف منه».
وكان المظنون بعد هذه المقدمة أن يعطي العلوم ما تستحق من التفضيل. ولكنه قسمها إلى قسمين: عملي ونظري. أما العملي فقد قدم أنه ليس بأفضل من العمل، وأما النظري فقد زيفه جميعه، ولم يستبق منه إلا ما يرجع «إلى العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله، وملكوت السموات والأرض وعجائب النفوس الإنسانية والحيوانية من حيث إنها مرتبطة بقدرة الله عز وجل لا من حيث ذواتها».
مناقشة قصيرة
من هنا يتبين أن واجب العابد لا يخرج عن العبادة والتفكر في المعبود، وما إلى ذلك من معرفة الملائكة والكتب والرسل وملكوت السموات والأرض إلى آخر ما قال.
صفحة غير معروفة