فضيلة الإخلاص
ابتدأ الغزالي كلامه عن هذه الفضيلة بقوله تعالى:
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
1
ثم ذكر جملة من الأحاديث والأخبار. ثم قرر بعد ذلك أن كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس، ويميل إليه القلب، قل أم كثر، إذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه، وزال به إخلاصه. ثم بين أنه قلما يخلو فعل من أفعال المرء وعبادة من عباداته، عن حظوظ وأغراض عاجلة. وإن العمل الخالص هو الذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله.
ومقياس الإخلاص فيما يرى الغزالي هو أن يشعر المرء بارتياح حين يجد غيره يعمل عملا كان يريد أن يقوم به. نعرف هذا من قوله:
وأشد الخلق تعرضا لهذه الفتنة هم العلماء. فإن الباعث للأكثرين على نشر العلم لذة الاستيلاء، والفرح بالأتباع. والشيطان يلبس عليهم ذلك ويقول: غرضكم نشر دين الله، والنضال عن الشرع الذي شرعه رسول الله. وترى الواعظ يمن على الله تعالى بنصيحة الخلق ووعظه للسلاطين. ويفرح بقبول الناس قوله، وإقبالهم عليه، وهو يدعي أنه يفرح بما يسر له من نصرة الدين. ولو ظهر من أقرانه من هو أحسن منه وعظا وانصرف الناس عنه وأقبلوا عليه ساءه ذلك وغمه، ولو كان باعثه الدين لشكر الله تعالى إذ كفاه هذا المهم بغيره. ثم الشيطان مع ذلك لا يخليه ويقول: إنما غمك لانقطاع الثواب عنك لانصراف وجوه الناس إلى غيرك. إذ لو اتعظوا بقولك لكنت أنت المثاب واغتمامك لفوات الثواب محمود. ولا يدري المسكين أن انقياده للحق وتسليمه الأمر أفضل وأجزل ثوابا وأعود إليه في الآخرة.
وقد انحصر الإخلاص عنده في الأمور الدينية، لغلبة هذه الأمور عليه، ولو كان الغزالي من الذين باشروا الحركات العامة، ووقفوا على الشئون الاجتماعية. لذكر لنا ضروبا من الإخلاص في نهوض الأفراد بأممهم. وبين لنا كيف يتطرق الغرض إلى الأعمال الاجتماعية، وكيف تشقى الشعوب بأصحاب الأغراض، فليس الإخلاص وقفا على الصلاة والزكاة والحج والصيام، بل الإخلاص فيما بين الرجل وبين أمته، أوجب من الإخلاص فيما بينه وبين ربه، لأنه حين يحرم الإخلاص في العبادة لا يضر الله شيئا فإن الله غني عن العالمين. ولكنه حين يحرم الإخلاص فيما يعمل لأمته يشقى بسوء غرضه ملايين من النفوس، ثم يصبح وهو منبوذ مهين. ولكن أكثر الناس لا يعلمون!
الباب الثامن
في توقي الرذائل
صفحة غير معروفة