أخلاق الشباب المسلم
الناشر
الجامعة الإسلامية
رقم الإصدار
السنة الأولى،العددالثاني
سنة النشر
رجب١٣٨٨هـ/تشرين أول ١٩٦٨م
تصانيف
الأخلاق سعدت وقويت، وانتصرت على أعدائها، وبلغت من ذلك فوق ما أملت، كما أن كل أمة شاع فيها أخلاق الوعد ونقض العهد، وما إلى ذلك من الكذب والخيانة والغدر والظلم والخداع، فإنها لن تفلح أبدا ولن تكتب الحياة لها الحقيقة ما دامت متخلقة بتلك الأخلاق المرذولة، سواء استوطنت الصحراء أم استوطنت أغنى الأراضي وأجملها، فإنها تعيش في شقاء دائم، وظلام مدلهم.
وهذه الحقيقة لا تتغير أبدًا بتغير المكان أو الزمان أو القوم، ومساويء الأخلاق سبب شقاء الشعوب الأعظم. ومن ينتسب إلى إسماعيل بالنبوة وإلى محمد ﷺ بالإيمان والإتباع يجب عليه أن يعتبر هذا الدرس أكثر من غيره ليكون وارثًا لهما إرثًا حقيقيًا يرفعه ويعلي درجته، فإن لم يفعل فإن انتسابه إليهما لا يزيده إلا خزيًا وعارًا.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
٤- قوله: "وقد أثنى على أبي العاص": هو أبو العاص بن الربيع العبشمي القرشي، اشتهر بكنيته كان من أعيان مكة، زوّجه النبي ﷺ أكبر بناته زينب، فولدت له أمامة التي كان النبي ﷺ يحملها على كتفه، وصلى بالناس في المسجد وهو حاملها، فإذا ركع وضعها، وإذا سجد وضعها، وإذا وقف حملها.
ولما كانت غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة خرج أبو العاص مع المشركين فأسر، فبعثت زينب بقلادة لتفديه بها، وكانت أمها خديجة ﵂ قد وهبتها لها حين تزوجت، فلما رأى النبي ﷺ تلك القلادة رقّ لابنته، وقال للمسلمين: "إن رأيتم أن تردّوا لها قلادتها وتطلقوا أسيرها"، فأطلق سراح أبي العاص، فشرط عليه النبي ﷺ أن يبعث له ابنته زينب فوفّى بوعده وبعثها.
وفي السنة السابعة للهجرة سافر أبو العاص ومعه قافلة لأهل مكة متوجهًا إلى الشام فأسره المسلمين مرة ثانية، فلما سمعت بذلك زينب قالت: "يا رسول الله، أليس عقد المسلمين وعهدهم واحدا؟ "، قال: "نعم"، قالت: "فاشهد أني أجرت أبا العاص، فأطلقوا سراحه، فتوجه إلى مكة ورد الأمانات إلى أهلها ثم قام فقال: "يا أهل مكة، أوفّيت ذمتي؟ "، قالوا: "اللهم نعم"، فقال: "فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم قدم المدينة مهاجرا فدفع إليه رسول الله ﷺ زوجته بالنكاح الأول، وقيل: بعقد جديد، والأول أرجح. وماتت زينب في حياة النبي ﷺ، أما أبو العاص فتوفي في السنة الثانية عشر للهجرة في خلافة أبي بكر الصديق.
٥- وينبغي لنا أن نتأمل تأملا طويلا في وفاء الخليفة أبي بكر الصديق بوعد النبي ﷺ للصحابي
1 / 33