ثم أخذت تهطل الدموع بغزارة. وكانت كلما حدقت نظرها إليه، أمعنت في الشهيق وإرسال الزفرات الحرى.
وعند ذلك هبت ريح شديدة فذهبت بثلاث ورقات من الورقات الخمس، فهتف الشبح المسكين: مهلا أيها القدر لا تنزل غضبك ولا تجرد سيف نقمتك. مهلا أيها الحاكم الصارم. مهلا وارحم والدتي التي سيرمي بها فعلك في هاوية اليأس فالانتحار، ألا تدري أنها ستمسي ثكلى من بعدي؟ بالله مهلا، لا تقس علي، فلست أقوى من تلقي ضرباتك، واحتمال تعذيبك.
ولكن لا، فلتكن مشيئة المبدع، فكل شر يأتي من عنده هو السبيل إلى إيجاد ما هو أحسن.
خذ هذه الروح واذهب بها إلى دنيا أفضل، وارم هذا الجسم حيث تشاء، فلا خير فيه ما دامت خاصتي لا تعرف له قيمة.
ظنوه شيئا كلا شيء.
رحماك اللهم، ألا ترد عني كأس الموت؟ ألا ترحم شبابي؟ ألا ترثي لصباي؟ حول نظرك عني، إلى غيري، فأنا وحيد لوالدتي وركنها الوطيد.
أواه! ما من فنائي مناص. هذا ما حل بالغابرين حين زاغوا وفسدوا.
فأجابه صوت رددت الأودية صداه، وسمع في أطراف الغابة: لا مناص، لا مناص!
وتلت الصوت زمجرة ريح شديدة أطاحت بالورقة الرابعة. فصاح الشبح: ها قد سقطت الورقة الرابعة، ولم تبق إلا واحدة تكاد تسقط. فهيا أسرعي إلى البيت يا حبيبتي، ونادي أهلي وأقاربي ليأتوا إلى هذا المكان، فقد دنت الساعة التي أسلم فيها روحي؛ لا يجيئون لأنهم يخافون مني. يخافون أن تسري إليهم العدوى. آه يا ربي!
فصاحت الفتاة بملء فيها: أنا لا أبرح هذا المكان، فإما أن نذهب كلانا إلى البيت أو أبقى بقربك إلى ما شاء الله.
صفحة غير معروفة