وعملت بمشورته أسابيع، فبان لي الفرج، وصرت إذا استفزني الغضب، أتذكر وصية الطبيب، ولكني لم أستطع الحياة بدون فكر.
كنت أغضب إذا غنت الذبانة وحدها، كما قال عنترة، وبقيت كذلك حتى قرأت أخيرا كلمة العالم البسيكولوجي فرنسيس جيمس: «إن الله يغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، ولكن جهازنا العصبي لا يغفرها أبدا.» فهو يصرعنا فورا.
نعم، قد رأيت في حياتي أكثر من واحد ماتوا فجأة؛ لأن غضبهم حمي جدا، فانفجر الأظان. ولعل المسيح لم يوص بالمغفرة ومحبة الأعداء والغفران إلا لأمرين؛ اكتساب مكارم الأخلاق، والمحافظة على الحياة. فأمراض القلب وضغط الدم، والسكري، وقرحة المعدة وغيرها لا يقاومها إلا الهدوء والسكينة والحلم. فالغضوب يعاقب نفسه ساعة غضبه.
قال ديل كرنيجي في كتابه «دع القلق وابدأ الحياة»: «إذا لم نستطع أن نحب أعداءنا، فلا أقل من أن نحب أنفسنا.»
أما نصح المسيح بنبذ الغضب، والغفران سبعين مرة سبع مرات؛ أي 490 مرة؟
أما الحمقى من الناس فيعدون الغافر جبانا، ويا للأسف!
أعرف واحدا كان يقول لزوجته: إذا حميت أنا ابردي أنت؛ لأننا إذا حمينا كلانا وقفت الحية على ذنبها.
وهكذا استطاع صاحبنا أن يغضب وحده ويموت وحده، ويفسح في المجال أمام زوجته لتعرف عريسا جديدا.
ولولا شرور الغضب الكثيرة لما عدوه في النصرانية من الخطايا الرئيسية. ألا تضحك من نفسك حين تغضب؛ لأن أحد الناس مر بك ولم يؤد لك التحية كما عودك الناس من مراسيم؟ فلو نطق أهل القبور وسألتهم عن التي أماتتهم لأجابوك: إن الغضب قصف أعمارنا وأودعنا في هذه البيوت الضيقة المحكمة السد.
نعم؛ نحن معرضون للغضب في كل دقيقة. يغضبنا أكثر ما يحدث في بيوتنا، وأكثر أعمالنا وفي شوارعنا، نغضب حتى إذا لم تجر الريح كما تشتهي سفننا أو لم تمر بنا بترتيب.
صفحة غير معروفة