وأما في غير الشرعيات فيتوقف العقل على تجريده عن شوائب الوهم والإلف والعادة والاحتراز عن الخطأ في الترتيب والفكر في صورة الأشكال، وهذه الأمور لا تحصل إلا بإرشاد إمام، لأن كل فرقة من طوائف بني آدم يثبتون بعقولهم أشياء وينكرون أشياء أخر، وهم متخالفون فيما بينهم بالأصول والفروع، ولا يمكن الترجيح بالعقل فقد، فالتمسك إذن بقول الإمام، ومع ذلك لا يمكن إثبات الأمور الدينية بالعقل الصرف لأنه عاجز عن معرفتها تفصيلا بالإجماع. نعم يمكنه معرفتها إذا كان مستمدا من الشريعة.
وهاهنا فائدة جليلة لها مناسبة مع هذا المقام، وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي" وهذا الحديث ثابت عند الفريقين أهل السنة والشيعة، وقد علم منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسك بهذين العظيمي القدر والرجوع إليهما في كل أمر، فمن كان مذهبه مخالفا في الأمور الشرعية اعتقادا وعملا فهو ضال، مذهبه باطل وفاسد لا يعبأ به. ومن جحد بهما فقد غوى، ووقع في مهاوي الردى.
صفحة ٢٤