الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

الزبير بن بكار ت. 256 هجري
7

الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

محقق

سامي مكي العاني

الناشر

عالم الكتب

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٦هـ-١٩٩٦م

مكان النشر

بيروت

قَالَ: فَأَقَامَتْ عِنْدِي عِشْرِينَ سَنَةً، فَمَا غَضِبْتُ عَلَيْهَا يَوْمًا، وَلا لَيْلَةً إِلا يَوْمًا كُنْتُ لَهَا ظَالِمًا، كُنْتُ إِمَامَ قَوْمِي، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَأَبْصَرْتُ عَقْرَبًا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي رَكَعْتُ فِيهِ، وَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ فَعَجِلْتُ عَنْ قَتْلِهَا، فَأَكْفَأْتُ عَلَيْهَا إِنَاءً، فَلَمَّا كُنْتُ عِنْدَ الْبَابِ، قُلْتُ: يَا زَيْنَبُ، إِيَّاكِ وَالإِنَاءَ حَتَّى أَرْجِعَ. فَعَجِلَتْ فَحَرَّكَتْهُ، فَجِئْتُ وَقَدْ ضَرَبَتْهَا الْعَقْرَبُ، فَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَمْرُسُ إِصْبَعَهَا، وَأَقْرَأُ عَلَيْهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ. وَكَانَ لِي جَارٌ مِنْ كِنْدَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَيْسَرَةُ، لا يَزَالُ يَقْرَعُ امْرَأَتَهُ، فَذَلِكَ حِينَ أَقُولُ: رَأَيْتُ رِجَالا يَضْرِبُونَ نِسَاءَهُمْ ... فَشُلَّتْ يَمِينِي يَوْمَ أَضْرِبُ زَيْنَبَا أَأَضْرِبُهَا فِي غَيْرِ جُرْمٍ أَتَتْ بِهِ ... إِلَيَّ فَمَا عُذْرِي إِذَا كُنْتُ مُذْنِبَا فَتَاةٌ تَزِينُ الْحَلْيَ إِنْ هِيَ زُيِّنَتْ ... كَأنَّ بِفِيهَا الْمِسْكَ خَالَطَ مَحْلَبًا فَلَوْ كُنْتَ يَا شَعْبِيُّ صَادَفْتَ مِثْلَهَا ... لَعِشْتَ زَمَانًا نَاعِمَ الْبَالِ مُخْصَبًا وَكَانَتْ أَقَامَتْ مَعِي يَا شَعْبِيُّ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ أَغْضَبْ عَلَيْهَا، فَأَفْسَدَتْ عَلَيَّ النِّسَاءَ، لَمْ أَتَزَوَّجْ بَعْدَهَا، وَوَدِدْتُ يَا شَعْبِيُّ أَنِّي تَبِعْتُهَا، فَقَدْ أَبْغَضْتُ الْعَيْشَ بَعْدَهَا، فَعَلَيْكَ يَا شَعْبِيُّ بِنِساءِ بَنِي تَمِيمٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ: " أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ جَمَعَ بَنِيهِ ذَاتَ يَوْمٍ: الْوَلِيدَ، وَسُلَيْمَانَ، وَمَسْلَمَةَ، فَاسْتَقْرَأَهُمْ فَقَرَءُوا، وَاسْتَنْشَدَهُمْ فَأَنْشَدُوا لِكِلِّ شَاعِرٍ غَيْرِ الأَعْشَى، فَقَالَ لَهُمْ: قَرَأْتُمْ فَأَحْسَنْتُمْ، وَأَنْشَدْتُمْ فَأَحْسَنْتُمْ لِكُلِّ شَاعِرٍ غَيْرِ الأَعْشَى، فَمَا لَكُمْ تَهْجُرُونَهُ؟ فَقَدْ أَخَذَ فِي كِلِّ فَنٍّ فَأَحْسَنَ، وَمَا امْتَدَحَ رَجُلا قَطُّ إِلا جَعَلَهُ مَذْكُورًا. هَذَا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَعَلَقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ، وَهُمَا مِنْ بَيْتٍ وَاحِدٍ، هَجَا عَلْقَمَةَ فَأَخْمَلَهُ، وَكَانَ شَرِيفًا مَذْكُورًا، وَمَدَحَ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ فَرَفَعَهُ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِيُنْشِدْنِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أَرَقَّ بَيْتٍ قَالَتْهُ الْعَرَبُ، وَلا يُفْحِشْ وَلا يَسْتَحِيَنَّ مِنْ إِنْشَادٍ، هَاتِ يَا وَلِيدُ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: مَا مَرْكَبٌ وَرُكُوبُ الْخَيْلِ يُعْجِبُنِي ... كَمَرْكَبٍ بَيْنَ دُمْلُوجٍ وَخَلْخَالِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَهَلْ يَكُونُ فِي الشِّعْرِ أَرَفَثُ مِنْ هَذَا؟ هَاتِ يَا سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: حَبَّذَا رَجْعُهَا إِلَيْهَا يَدَيْهَا ... فِي ذُرَا دَرْعِهَا تَحُلُّ الإِزَارَا قَالَ: لَمْ تُصِبْ، هَاتِ يَا مَسْلَمَةُ. قَالَ مَسْلَمَةُ: وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إِلا لِتَضْرِبِي ... بِسَهْمَيْكِ فِي أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ قَالَ: كِدْتَ وَلَمْ تُصِبْ إِذَا ذَرَفَتْ عَيْنَاهَا بِالْوَجْدِ فَمَا بَقِيَ إِلا اللِّقَاءُ، إِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْعَاشِقِ أَنْ يَقْتَضِيَ مِنْهِا الْجَفَاءَ وَيَكْسُوَهَا الْمَوَدَةَ، أَنَا مُؤَجِّلُكُمْ فِي هَذَا الْبَيْتِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، عَلَى أَنْ لا تَسْأَلُوا عَنْهُ أَحَدًا، فَمَنْ أَتَانِي بِهِ فَلَهُ حِكْمَةٌ. فَنَهَضُوا وَخَرَجُوا عَنْهُ، فَبَيْنَا سُلَيْمَانُ فِي مَوْكِبٍ لَهُ إِذَا هُوَ بِأَعْرَابِيٍّ يَسُوقُ إِبِلا وَهُوَ يَقُولُ:

1 / 7