الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

الزبير بن بكار ت. 256 هجري
13

الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

محقق

سامي مكي العاني

الناشر

عالم الكتب

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٦هـ-١٩٩٦م

مكان النشر

بيروت

ثُمَّ وَثَبَ، فَقَالَ: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: ٧]، وَاللَّهِ مُؤَكَّدَةً لا أَزَالُ قَائِمًا حَتَّى أَفِيَ بِنَذْرِي، فَتَبَادَرَ غِلْمَانُهُ وَمَوَالِيهِ وَبَعْضُ وَلَدِهِ وَعَجَائِزُهُ نَحْوَ السُّوقِ، فَوَاحِدٌ يُنَبِّهُ حَارِسًا، وَآخَرُ يَفْتَحُ دَرْبًا، وَآخَرُ يَحُلُّ شَرِيجَةً، وَآخَرُ يُوقِظُ نَائِمًا، وَآخَرُ يَدْعُو بَائِعًا، وَآخَرُ يَرْمِي كَلْبًا، وَالْغِلْمَانُ وَالْجَوَارِي وَالْجِيرَانُ والْحُرَّاسُ وَالسُّوقَةُ وَالْبَاعَةُ فِي مِثْلِ صَيْحَةِ يَوْمِ الْقِيامَةِ. ثُمَّ قَالَ: يَا قَوْمِي أَمَا لِي مِنْ أَهْلِي مُسَاعِدٌ؟ أَيْنَ الْبَنَاتُ الْعَوَاتِقُ الأَبْكَارُ، اللَّوَاتِي كُنْتُ أَغْذُوهُنَّ بِلَيِّنِ الطَّعَامِ وَلَيِّنِ اللِّبَاسِ، وَيَسْرَحْنَ فِيمَا أَرَعْنَ مِنْ خَفْضِ الْعَيْشِ وَغَضَارَةِ الدَّهْرِ، أَيْنَ أُمَّهَاتُ الأَولادِ اللَّوَاتِي اعْتَقَدْنَ الْعُقَدَ النَّفِيسَةَ، وَمَلَكْنَ الرَّغَائِبَ بَعْدَ الْحَالِ الْخَسِيسَةِ؟ أَيْنَ الأَوْلادُ الذُّكُورُ الَّذِينَ لَهُمْ نَسْعَدُ وَنَحْفَدُ، وَنَقُومُ وَنَقْعُدُ، وَلَهُمْ نَرُوحُ وَنَغْدُو؟ فَبَادَرَ إِلَيْهِ بَنُوهُ وَبَنَاتُهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلادِهِ. قَالَ: فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى فَرْدِ رِجْلٍ. فَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَاللَّهِ، أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ وَجَزَاكُمْ خَيْرًا، لِمِثْلِهَا كُنْتُ أَحْسَبُ الْحُسْنَى. قَالَ: وَلاحَظَ الْكُبْرَى مِنْ بَنَاتِهِ، وَآخَرَ مِنْ بَنِيهِ، وَهُمَا يُرَاوِحَانِ بَيْنَ قَدَمَيْهِمَا، فَقَالَ: يَا فُلانُ تُرَاوِحُ وَلا أُرَاوِحُ، يَا فُلانَةَ تُرَاوِحِينَ وَلا أُرَاوِحُ، صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ حِينَ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ [التغابن: ١٤] . حَذَارِ حَذَارِ مِنْكَ حَذَارِ. ثُمَّ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ لَيْسَ فِي خِزَانَتِهِ سُكَّرٌ طَبَرْزَدُ، وَجَائِزَتُهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَعَزَّهُ اللَّهُ، أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَهُ ضَيْعَةٌ بِالنَّهْرَوَانِ، تُغِلُّ ثَلاثَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ إِذَا كَانَ السِّعْرُ بَيْنَ الْغَالِيِ وَالرَّخِيصِ، وَضَيْعَةٌ بِالزَّابِ تُغِلُّ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ، وَضَيْعَةٌ بِالْكُوفَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْعَرَبَةِ مِنْ أَنْبَلِ ضَيْعَةٍ مَلَكَهَا أَحَدٌ، وَضَيْعَةٌ بِطَسُّوجِ الدَّسْكَرَةَ، وَلَوْلا أَنَّ سَعِيدًا السَّعْدِيَّ، أَرَاحَ اللَّهُ مِنْهُ، قَطَعَ شِرْبَهَا وَعَوَّرَ مَجْرَى مِيَاهِهَا حَتَّى انْدَفَنَتْ أَنْهَارُهَا، وَقَلَّتْ عِمَارَتُهَا إِضْرَارًا بِنَا، وَتَعَدِّيًا عَلَيْنَا مَا كَانَ لأَحَدٍ مِثْلُهَا، وَعَلَى أَنْ أَكَرَتَهَا وَمُزَارِعَهَا مِنْ أَخَابِثَ خَلْقِ اللَّهِ، وَلَوْ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا الْحَاصِلَ وَحَاصِلَ الْحَاصِلِ مَا أَعْطُوا شَيْئًا. وَمَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ الضَّيْعَةَ لِرَبِّ الضَّيْعَةِ فَقُلْ لَهُ: كَذَبْتَ لا أُمٌّ لَكَ، الضَّيْعَةُ ثَلاثُ أَثْلاثٍ: فَثُلُثٍ لِلْسُلْطَانِ، وَثُلُثِ لِلْوَكِيلِ، وَثُلُثٍ لِلأَكَّارِ، وَإِنَّمَا يَأْتِي رَبُّ الضَّيْعَةِ مِنْ ضَيْعَتِهِ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، وَمُخَّةٌ كَمُخَّةِ عُرْقُوبٍ، يَجِيءُ الأَكَّارُ وَقْتَ الدِّيَاسِ فَيَمُرُّ بِهِمُ الأَبَرْتَدُ، فَهَذَا يَذْبَحُ لَهُ، وَهَذَا يَخْبِزُ لَهُ، وَهَذَا يَسْقِيهِ، وَمَا نَبِيذُهُمْ إِلا الْعَكِرُ الأَسْودُ.

1 / 13