أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه
محقق
عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الناشر
دار خضر
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤١٤ هـ - ١٩٩٤ م
مكان النشر
بيروت
ذِكْرُ فَرْشِ الطَّوَافِ بِأَيِّ شَيْءٍ هُوَ
قَالَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ﵄ لَمَّا بَنَى الْكَعْبَةَ وَفَرَغَ مِنْ بِنَائِهَا وَخَلَّقَهَا وَطَلَاهَا بِالْمِسْكِ وَفَرَشَ أَرْضَهَا مِنْ دَاخِلِهَا، بَقِيَتْ مِنَ الْحِجَارَةِ بَقِيَّةٌ، فَفَرَشَ بِهَا حَوْلَ الطَّوَافِ كَمَا يَدُورُ الْبَيْتُ نَحْوًا مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَذَلِكَ الْفَرْشُ بَادٍ إِلَى الْيَوْمِ إِذَا جَاءَ الْحَاجُّ فِي الْمَوْسِمِ جُعِلَ عَلَى تِلْكَ الْحِجَارَةِ رَمْلٌ مِنْ رَمْلِ الْكَثِيبِ الَّذِي بِأَسْفَلِ مَكَّةَ يُدْعَى: كَثِيبَ الرَّمْضَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَبَةَ يَشْتَرُونَ لَهُ مَدَرًا وَرَمْلًا كَثِيرًا، فَيُجْعَلُ فِي الطَّوَافِ وَيُجْعَلُ الرَّمْلُ فَوْقَهُ، وَيُرَشُّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَتَلَبَّدَ، وَيُؤْخَذُ بَقِيَّةُ ذَلِكَ الرَّمْلِ فَيُجْعَلُ فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ الَّتِي تَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ، فَإِذَا خَفَّ ذَلِكَ الرَّمْلُ وَالْمَدَرُ أَعَادُوهُ عَلَيْهِ وَرَشُّوا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى يَأْتَطِيَ وَيَتَلَبَّدَ، فَيَطُوفُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ أَلْيَنَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ فِي الطَّوَافِ، فَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ وَحَمِيَ ذَلِكَ الرَّمْلُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، فَيُؤْمَرُ غِلْمَانُ زَمْزَمَ وَغِلْمَانُ الْكَعْبَةِ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فِي قِرَبٍ، ثُمَّ ⦗٣٣٢⦘ يَحْمِلُونَهَا عَلَى رِقَابِهِمْ حَتَّى يُرَشَّ بِهِ رَمْلُ الطَّوَافِ فَيَلْتَبِدَ وَيَسْكُنَ حَرُّهُ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَرُشُّونَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ، وَخَلْفَ الْمَقَامِ كَمَا يَدُورُ الصَّفُّ حَوْلِ الْبَيْتِ قَالَ رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ صَبْوَةٌ فَتَذَكَّرَ وَرَجَعَ إِلَى التَّوْبَةِ يَحُضُّ نَفْسَهُ عَلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فِي ذَلِكَ الرَّمْلِ وَالصَّلَاةِ وَالشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ:
[البحر الرمل]
أَقَدَمَيَّ اعْتَوِرَا رَمْلَ الْكَثِيبِ ... وَرِدَا الطَّاهِرَ مِنْ مَاءِ الْقَلِيبِ
رُبَّ يَوْمٍ رُحْتُمَا فِيهِ عَلَى ... زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَفِي عَيْشٍ خَصِيبِ
وَسَمَاعٍ حَسَنٍ مِنْ حَسَنٍ ... يُنْطِقُ الْمِزْهَرَ كَالظَّبْيِ الرَّبِيبِ
فَاحْسِبَا ذَاكَ بِهَذَا وَاصْبِرَا ... وَخُذَا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ بِنَصِيبِ
إِنَّمَا أَبْكِي لِأَنِّي مُذْنِبٌ ... فَلَعَلَّ اللهَ يَعْفُو عَنْ ذُنُوبِي
1 / 331