54...
ولما تولى عبد الرحمن أغا الصغير كان كاليهود على المؤمنين، وكابن أبي في المنافقين، فسفر منهم من أراد تعزيزه، وجلا كثير من الناس ما بين ذنب ورأس، وكان من جملتهم أهل بيتنا، ولم يبق منهم إلا ما ندر، وصار يتهدد أهل القلعة ويؤذيهم والله سبحانه وتعالى مطلع على أحوال الجميع، فتوجه سيدى عبد الكريم وأولاده إلى مكة المشرفة سوى ولديه محمد سعيد ومحمد أبى البركات فإنهما أقاما في المدينة، وأما سيدى يوسف فإنه توجه إلى بدر وامتدح أصحاب بدر بقصيدة، فمن ذلك ما قاله حين خروجه من المدينة وتوجهه نحوها وهي قصيدة غراء:
تصبر فمر النائبات قصير ومثلى على سير الزمان يسير
يقينى يقينى ما أظن من الردى ويمنعني كيد العدا ويجير
ونفسى إن جاشت أقول لها أصبرى فلست بنفسي إن عراك ضجور
وكوني على حكم القضا مطمئنة فليس سوى ما قد قضاه يصير
وما محن الأيام إلا سحابة بأبان صيف ساعة وتغور
فما تغلبن إلا ضعيفا يقينة ويغلبها ثبت الفؤاد صبور
وللدهر حالات كثير ورودها ودور على مر الزمان يدور
فيوم بالء وامتحان وشدة ويوم رخاء وقرحة وسرور
كما حركات الرمل يعلوه سافل ويسفل عال والهباء يطير
فذا طبع دنيانا التي غدرت بنا ولم نعتبر ما قدمت فنحور
نرى ناهيا للضحك والقصد عضة وحد لأمر ما الأنين قصير
وللحر فيها غصة بعد غصة وإن نال حمدا أبغضته نظير
إذا نصبت ذا منصب نصبت ردا نصب والعزل منه جدير
وكم رفعت نذلا وحطت مهذبا وكم كدرت صفوا عليه نذير
وشركت اثنين في أمر امرأة ولم يسع السيفين صاح جفير
وخالفت الغطريف والوغد وافقت وجاءت على ما في المراد تسير
فلا تعذلنها واعذرنها فإنها لساكن ريح لا تزال تغور
فشنشنة من أخزم قد عرفتها وطبعا فإني للطباع غيور...
صفحة ٥٤