كل ذلك ولم يعلم بهم أحد ممن هو خارج القلعة، فختله بعضهم وعرقبه، فصار على ركبه يحمل عليهم الكرة بعد الكرة وهم يفرون من بين يديه وهو يضرب من شذ ويغرى من فذ إلى إن ذهب بعضهم إلى العين وبل عباه (2) بالماء، ثم ختله ورماها على كاهليه ورأسه فحينئذ أطفوا نور نبراسه ورزقه الله تعالى الشهادة وله في الآخرة إن شاء الله الحسنى فزيادة، ولما سمع بهم من يميل لهم أتوا إليهم أفواجا، ووقعت بينهم وبين أهل الحارة، وأرسل شيخ الحرم للدولة العلية يعرفها بذلك، وكذلك أرسل إلى جدة، والشريف مسعود، فأرسل الشريف مسعود جرده ودس إلى أميرها بأن شيخ الحرم إن لم يطع أهل القلعة في مطلوبهم م أخراج الخمسة الأنفار فأنت معهم عليه، وبلغ ذلك شيخ الحرم فأرسل إلى هزاع شيخ حرب واستمال بالمال بأن يرد عنه الجردة فجمع من قدر واستدعى بهزاع واستدعى بهزاع وعيد مشايخ حرب ومكنهم من المدينة غير مرة فأخربوها ونهبوها وجل أكثر الناس إلى المناخة، واستمر الحال على ذل إلى رجب، فأرسل الشريف مسعود بن سعيد أمير مكة في أمر الصلح بينهم ظاهرا وكان مباطنا لأهل القلعة فمشت بينهم الهدنة إلى مجيئ 40...الحاج ولما وصل الحاج الشامي إلى المدينة أتى الفرمان بعزل عبد الرحمن أغا الكبير شيخ الحرم ونصب عبد الرحمن أغا الصغير نائب الحرم وخزندار سابقا في السنة المذكورة وهي سنة 1156 ست وخمسين بعد المائة والألف وذلك بما ذهب للدولة العلية من العروض من الشريف وغيره من القصائد الاستنجادية مثل قصيدة الشيخ محمد سعيد سغر وقصيدة السيد جعفر البيتي.
قال: السيد جعفر البيتي رحمه الله تعالى:
بكى على الدار لما غاب حاميها وجر حكمها فيها أعاديها
بكر لطيبة إذ ضاعت رعيتها وراعها بكلاب البرراعيها
بكى لمن هاجروا بالكره واحتملوا عنها وكانوا قديما هاجروا فيها
واها لكربتها واها لغربتها واها لجائعها واها لعاريها
واها لحالي لما قمت أنشدها الدار أطبق أخراس على فيها
يا دمنة (1) سلبت منها بشاشتها وألبست من ثياب المحل باقيها
وقفت فيها أعزيها لكربتها أعجب (*) على جلدى أنى أعزيها
فمن معينى بأحزان يضاعفها على من لعيوني من يواسيها
يا صاح ناد البواكي وابك أنت معي ولا تصبر نفس لا تسليها
ما مثل طيبة ما مثل الذي لقيت من الأسى (2) فبمن نرجو تأسيها
حاشا لمختلف الأملاك من غير الد نيا وما صنعت فيها لياليها
يأبى الفداء لها من كل حادثة لو كان ينفعها أنى أفديها
وغاية الجهد أن أبكى له أسفا حتى تجف دموعي في مآقيها (3)
كان التغزل في جيران ذي سلم واليوم قد كثرت فيها مراثيها
هي المدينة أمست بعد عزتها كسيرة غاب عنها اليوم حاميها
صفحة ٤٠