30...وقال السيد أحمد المذكور رحمه الله تعالى في آخر تأليفه المسمى أسنى المطالب في نجاة أبي طالب في ترجمة السيد محمد بن رسول البرزنجي ومن أولاده السيد عبد الكريم المدفون بجدة المشهور " بالمظلوم" وسبب ذلك أنه من سنة ثلاثة وثلاثين ومائة وألف في دولة الشريف مبارك بن أحمد بن زيد أمير مكة وقعت فتنة بين أهل المدينة أغوات الحرم ووقع فيها قتال يوما وبعض يوم وانتشر فساد وشر كثير ثم عرض ذلك إلى الدولة العلية وذكروا أن السيد المذكور وولده السيد حسن وبعض أعيان أهل المدينة حرضوا الناس في تلك الفتنة، فصدر الأمر من الدولة العلية بقتل بعض أشخاص ونفى آخرين، وكان السيد عبد الكريم المذكور من جملة المأمور بقتلهم وكذاك ولده السيد حسن، أما ولده رحمه الله صاحب كرامات وكان يدرس بعد صلاة الصبح في المسجد النبوي، فلما أرادوا القبض عليه ذهبوا إليه ليقبضوا عليه في المسجد وهو يدرس، فلما قربوا منه طمس الله على أعينهم، فكانوا يسمعون صوته وهو يدرس، ولا يرون شخصه، فرجعوا وأخبروا آمرهم بذلك فلم ينزجر فأرسل إليه غيرهم فجاءوا، وقد تم السيد درسه وذهب إلى داره بباب السلام، فذهبوا وأحاطوا بداره وجلس ناس منهم عند باب داره وأدخل الله الرعب والخوف في قلوبهم فلم يتجاسوا على الدخول عليه فلما علم السيد أن فكاكه منهم لا يمكن إلا بالخروج من المدينة إلى مصر، تطهر وتوضأ وصلى ركعتين وأخذ قبضه من التراب فخرج عليهم وهو يتلو شاهت الوجوه شاهت الوجوه (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما) (1) ونثر على رءوسهم التراب وهم لا يعلمون، وخرج من بين ايديهم وهم لا يبصرون، ولم يعلموا له خبرا حتى وصل إلى مصر وأتاهم خبره، فأقام بمصر مدة ودخل الجامع الأزهر واجتمع بالأكابر من العلماء وألف كتابه: " نفثة المصدور" وهو كتاب لم يؤلف نظيره في: الفصاحة، والبلاغة، والقصائد النعتية النبوية، والكلمات الحكمية، وسلك فيها طريق القوم من السادة الصوفية، مشيرا إلى ما حصل له من الكدر وما ذاقه من الألم والفراق والبعد من الحضرة 31...النبوية، وأشار فيه إلى هذه القصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه بالخروج إلى مصر وأن يخرج عليهم وينثر على رءوسهم التراب وأنهم لا بيصرونه، نظير ما وقع له صلى الله عليه وسلم عند الهجرة إلى المدينة ثم عادبعد ذلك إلى المدينة. وأما والده رحمه الله فصعب قبضه بالمدينة فحسن له بعض أعدائه الخروج من المدينة إلى مكة المشرفة والإقامة بها، فلما وصل إلى مكة قبض عليه (1) الوزير أبو بكر باشا وأنفذه إلى جدة وحبس بقلعتها ثم صدر الأمر بقتله، فقتل خنقا في ليلة الثامن من شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ورمى في سوق جدة يوما كاملا، ثم رفعه بعض أهل الخير بشفاعة والتماس، وغسل وكفن ودفن بجده وهرعت الناس إلى جنازته (2)، ولقب بالمظلوم رحمه الله رحمة واسعة.
ذكر في "الروض الأعطر" ما نصه: " ثم عقب ذلك بيسير جاء الأمر بعزل الوزير المذكور فخرج متوجها إلى الأستانة، وركب مع من معه في سفينة من جدة، فبعدما حلوا شراعها وجرت بهم غير بعيد أتت ريح عاصفة فأغرقه الله ولم ينج منهم إلا القليل.
قال: هكذا أخبرني به بعض أهل العلم من أهل جدة سماعا عن غيره من الثقات. انتهى. 3
وقال السيد جعفر البيتي المدني رحمه الله تعالى في ديوانه لما قتل باكير باشا السيد عبد الكريم بن السيد محمد رسول البرزنجي بجدة سنة مائة وألف وثمانية وثلاثين أرخته بقولي:
يا بن عبد الرسول يرحمك الله وقدست ميتا وفقيدا
أسوة المسلمين أنتم جميعا في جميع البلا قريبا بعيدا
صفحة ٣١