فيما يخص ما أسماه بملحمة إدريس [١]. ويمدنا «كتاب أخبار فخ» بمعلومات جديدة قد تزيد الغموض، إلا أن الدارس المتعمق يجد فيها توضيحا لكثير من المشكلات، مما يضع الأمور في سياقها التاريخي، رغم أنّ روايتها الداخلية للأحداث ليست دائما متسقة تماما كما سوف نرى، ولهذا فإنه لا يمكننا الاعتماد بثقة كبيرة على ما ورد فيها من معلومات دون معارضتها بالمصادر الأخرى. وقد استطاع محمد الطالبي أن يقارن بين الروايات ويميّز بينها خطا واضحا يمكن الاعتماد عليه، وسوف يكون تعويلي الأكبر على نتائجه [٢].
في رواية «أخبار فخ» أنّ إدريس وصل إلى إفريقية وكان عليها روح بن حاتم، وقد ولي روح إفريقية في جمادى الثانية سنة ١٧١، أي أنّ إدريس قدمها بعد هذا التاريخ، ولم تصرح الرواية بوضوح أين كان نزول إدريس من أرض إفريقية، ويذكر ابن أبي زرع أنّه أقام في القيروان مدّة قبل خروجه إلى المغرب الأقصى [٣]. عند هذا الحدّ يمدنّا «أخبار فخ» بمعلومات جديدة لم تذكرها المصادر التي تناولت سيرة إدريس، وهي قد توضح لنا مجريات حياته في هاتين السنتين اللتين غفلت أكثر المصادر عن ذكرهما.
فقد توجّه إدريس إلى جبال نفّوسة «وأهلها خوارج» بعد أن وجّه روح في طلبه، وقد كان جبل نفوسة معقلا مهما لإباضية شمال إفريقيا. وفي ضوء هذا الواقع الجديد لم يجد روح بن حاتم بدّا من اعتماد السياسة الواقعية فكاتب عبد
_________
[١] الدولة الأغلبية ٣٩٥ - ٣٩٨.
[٢] ثمّة دراسات أخرى عن هذه الفترة يبقى الفصل الذي كتبه الطالبي-في نظري- أكثرها دقة وجدية. انظر مثلا: اسماعيل العربي، دولة الأدراسة ملوك تلمسان وفاس وقرطبة، بيروت ١٩٨٣؛ وسعدون عباس نصر الله، دولة الأدارسة في المغرب، بيروت ١٩٨٧؛ ومحمود اسماعيل، الأدارسة، القاهرة ١٩٩١.
[٣] يرى محمد الطالبي أن هذا الأمر قليل الاحتمال (الدولة الأغلبية ٣٩٩، ح ١٤٢)، ويبدو الآن بفضل مخطوطة أخبار فخ أكثر ترجيحا؛ وثمة رواية أخرى لفرار إدريس أوردها أبو الفرج في مقاتله (٤٨٨ - ٤٨٩؛ ط ٢.٤٠٧) وهي ذات نزعة قصصيّة وقد تناقلتها عنه بعض المصادر المتأخرة.
1 / 62