استراتيجيا [١]، ورغم الأسئلة التي قد تطرح حول صحّة هذه الأخبار فإنها تشير إلى سوء اختيار الحجاز كمنطلق لثورة جديّة تهدّد الدولة العباسية [٢].
وقد كان أهل المدينة مدركين لقلّة موارد البلاد وما قد تسببه الثورة لهم من ضائقة فيذكر الحارث بن اسحاق أنه لما «تحدث أهل المدينة بظهور محمد، فأسرعنا في شراء الطعام حتى باع بعضهم حليّ نسائه» [٣].
وكان محمد بن خالد القسري قد نبّه كذلك النفس الزكيّة على قلّة موارد الحجاز «يا أمير المؤمنين إنك قد خرجت في هذا البلد، والله لو وقف على نقب من أنقابه مات أهله جوعا وعطشا. . .» [٤]. وقد كان طعام الحجاز يأتي بالبحر من مصر فلما ثار السودان بالمدينة بعد فشل ثورة النفس الزكيّة أغاروا على دار مروان، وهي مقرّ الوالي، ودار يزيد وفيها طعام كان حمل للجند في البحر فلم يدعوا فيها شيئا» [٥]. وكان من نتائج ثورة النفس الزكيّة أن فرض المنصور حصارا اقتصاديا على الحجاز فأقفل البحر على أهل المدينة فلم يحمل إليهم من ناحية البحار شيء، حتى كان المهدي فأمر بالبحر ففتح لهم وأذن في الحمل» [٦].
كما صادر موسى بن عيسى أموال بني حسن وغيرهم من الطالبييّن وأمرّه الخليفة على ذلك. وقد شهدت المدينة مباشرة إثر فشل ثورة النفس الزكيّة انتفاضا من قبل السودان أشبه بالهيج له دلالة عميقة على تردّي الأحوال الاقتصادية في المدينة نتيجة الحصار الذي كان مضروبا عليها ونتيجة سوء تصرّف الجند الخراساني،
_________
[١] تاريخ الطبري ٧/ ٥٧٧ - ٥٧٨ (-٣/ ٢٢٤)،٧/ ٦٢٨ - ٦٢٩ (-٣/ ٢٩١ - ٢٩٢).
[٢] انظر J .Lassner،The Sahping ofAbbasid Rule ٩٦.:
[٣] تاريخ الطبري ٧/ ٥٥٢ (-٣/ ١٩٠).
[٤] تاريخ الطبري ٧/ ٥٦١ (-٣/ ٢٠١).
[٥] تاريخ الطبري ٧/ ٦١١ (-٣/ ٢٦٧).
[٦] تاريخ الطبري ٧/ ٦٠٣ (-٣/ ٢٥٧).
1 / 50