ولئن كبرت لقد عمرت كأنني ... غصن تفيئو الرياح رطيب
وكذلك حقا من يعمرّ يبله ... كر الزمان عليه والتقليب
حتى يعود من البلى وكأنه ... في الكف أفوق ناصل معصوب
مرط القذاذ فليس فيه مصنع ... لا الريش ينفعه ولا التعقيب
ذهبت شعوب بأهله وبماله ... أن المنايا للرجال شعوب
والمرء من ريب الزمان كأنه ... عود تداوله الرعاء ركوب
غرض لكل منية يرمي بها ... حتى يصاب سواده المنصوب
قال أبو القاسم: لم يجيء في كلام العرب من المجموع على فعال إلا ستة أحرف،. ذلك قولهم: ظئر وظؤار، وعنز ربى واعنز رباب: للحديثة النتا ج، وتؤم وتؤام، وعرق وعراق، ورخل ورخال، وفرير وفرار: لولد البقرة.
ومما جاء مثنى ولم ينطق له بواحد قولهم: جاء يضرب أزدريه، إذا جاء فارغا. وكذلك جاء يضرب أصدريه، ويقال للرجل إذا تهددّ وليس وراء ذلك شيء: جاء ينفض مذرويه، ويقال أيضا مثل ذلك إذا جاء فارغا لا شيء معه.
ويقال: الشي، حوالينا بلفظ التثنية لا غير، ولم يفرد له واحد إلاّ في شعر شاذ الرجز
أهدموا بيتك لا أبالكا ... وزعموا أنّك لا أخالكا
وأنا أمشي الدّألي حوالكا
ومن ذلك: دواليك، والمعنى مداولة بعد مداولة ولا يفرد له واحد. قال عبد بني الحسحاس: الطويل
كأن الصبيرّيات يوم لقيننا ... ظباء أعارت طرفها للمكانس
وهن بنات القوم أن يشعروا بنا ... يكن في بنات القوم إحدّى الدّهارس
فكم قد شققنا من رداء منيرّ ... ومن برقع عن طفلة غير عانس
إذا شقّ برد شقّ بالبرد مثله ... دوايك حتى كلّنا غير لابس
ومن ذلك حنانيك، ومعناه تحننّ بعد تحننّ ولا يستعمل إلاّ هكذا منصوبا بلفظ التثنية لأنه مصدر وضد أفرد واستعمل ممكّنا.
أنشد سيبويه: الطويل
فقالت حنان: ما أتى بك ههنا ... أذ ونسب أم أنت بالحيّ عارف
تقديره: أمرنا حنان فرفعه بالابتداء والخبر. ومعنى الحنان: الرحمة والتعطف.
ومن ذلك هذا ذيك إنما لي يريد هذّا بعد هذّ، والهذّ: القطع وواحده مستعمل. أنشد سيبويه: مشطور الرجز
ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا
ومن ذلك لبيكّ وسعديك، إنما تستعمل هكذا بلفظ التثنية. قال سيبويه: سألت الخليل عن اشتقاقه ومعناه فقال: معنى لبيّك من الألباب يقال ألّب الرجل بالمكان البابا: إذا أقام به فإذا قال لبيك فكأنه قال أنا مقيم على طاعتك وعند أمرك. وسعديك مأخوذ من الإسعاد، والإسعاد والمساعدة سواء، فإذا قال لله ﷿ لبيك وسعديك في التلبية فكأنه قال: أنا مقيم عند أمرك ومتابع له فقد تقرب منه بهواه لا ببدنه. هذا معنى قول الخليل وتفسيره.
حدثنا أبو بكر محمد بن محمود الواسطي قال حدثنا محمد بن إسرائيل الجوهري قال حدثنا معاوية عن أبيه عن قتادة عن عبد الملك بن عمير عن بعض بني أبي المعلىّ: رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال: قال النبي ﷺ وهو على المنبر::إنّ قدمي على ترعة من ترع الحوض " وقال: " أن عبدا من عباد الله خيره الله بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش وأن يأكل من الدنيا ما شاء أن يكل وبين لقاء ربه، فاختار العبد لقاء ربه ".
قال: فبكى أبو بكر حين قالها: انّا نفديك يا رسول الله بآبائنا.
قال أبو القاسم: والرواية متصلة من غير وجه أن النبي ﷺ قال هذا في مرضه الذي مات فيه نعى نفسه إلى أصحابه. ولهذا الحديث لفظ آخر.
حدثنا أبو عبد الله بن محمد الرازي عن علي بن عبد العزيز عن أبى عبيد القاسم بن سلام قال حدثني إسماعيل بن جعفر بن عمرو بن علقمة عن هذا على ترعة من ترع الجنة.
قال أبو القاسم: وللعلماء في الترعة ثلاثة أقوال: قال أبو عمرو الشيباني: الترعة: الدرجة. وقال غيره الترعة: الباب. وقال أبو عبيدة الترعة: الروضة تكون في المكان المرتفع خاصة. فإذا كانت في المكان المطمئن فهي روضة وينشد للأعشى: البسيط
ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل
1 / 46