وأمثاله يسطع في قلبك نوره وتدخل حلاوته قلبك فيكشف لك الغطاء عن أمور الأخرة فتعاين باليقين كرامتها، لأن القرآن كرامة لمن تدبر آياته وتفكر فيها، فإن الفكرة نور ومرآة للقلوب يميز بها الرشد من الغي والمنافع من المضار، ولا يوجد ذلك إلا بالتقوى، والتقوى إنما هي في أداء الفرائض واجتناب المحارم وتركها خوفا من المقام بين يدي الله تعالى وقمع الهوى خوفا من الله ورغبة فيما عنده.
وذكرت-يرحمك الله -أتاني منك غير كتاب فلم تر جوابها، فما أبرئ نفسي من التقصير في ذلك. فإنه يقال : رد الجواب حق على المؤمن كرد السلام. وما أعلم أنه وصل إلي كتاب قبل هذا إلا واحد ولم يمكني الجواب من أوجه حتى ضاعت وسقطت ولم أجد لها مسقطا ولا ملقطا. مع أنه تباعدت بنا وبك الدور، وتفرقت بنا وبك الأوطان فلا يمكن وصول الكتاب أو الجواب إلا بعد أشهر.
واعلم -يرحمنا الله وإياك -أني شديد الشوق إلى قدومك وإحداث العهد بك لعلك تستفيد من كتب أبي عبيدة رحمه الله، فإني أرجو أن تمكن اليوم إن شاء الله لعل الله يحي بك أهل هذه الدعوة فتحي لهم آثار سلفهم المهتدين، وتكون لهم منارا، فإن فضل العلم ما قد بلغنا أن خطوة من خطوات طالبه تعدل عبادة ألف سنة قيامها وصيامها وحفته الملائكة بأجنحتها وصلى عليه طير السماء وحيتان البحر ودواب الأرض.
صفحة ٣٠