والكاتبان وإن جمعتهما هذه الأجوبة في صعيد واحد، إلا أنهما من مكانين متباعدين، نجد الإشارة إلى هذه في إعتذار جناو بن فتى في كتابه إلى عبدالقهار بن خلف عن التقصير في رد جوابه في قوله :"مع أنه تباعدت بنا وبك الدور، وتفرقت بنا وبك الأوطان، فلا يمكن وصول الكتاب أو الجواب إلا بعد أشهر" (¬1) . ورغم معاصرة الكاتبين بعضهما للآخر جناو بن فتى فيما يظهر أسن من عبدالقهار، وغالب الظن أنه أستاذه قد تتلمذ عليه في فترة سابقة، فهو هنا في جوابه إليه بدعوة إلى الحضور إليه وإحداث العهد به للتعلم والإستفادة: " أننا شديد الشوق إلى قدومك وإحداث العهد بك لعلك تستفيد من كتب أبي عبيدة رحمه الله" (¬2) وأبو عبيدة المشار إليه هنا هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي البصري من علماء القرن الثاني للهجرة، من التابعي وإمام الإباضية بالبصرة بعد جابر بن زيد، وهو الذي تلقى عنه " حملة العلم " من المغرب وغيره ولا يستبعد أن يكون جناو بن فتى من تلاميذه المباشرين الذين رحلوا إلى البصرة وتلقوا عليه العلم. والذي يؤكد أن الإشارة هنا إلى أبي عبيدة مسلم وليس إلى غيره هو ما أردف به جناو فتى عباراته بقوله: فإني أرجو أن تمكن اليوم إن شاء الله لعل الله يحي بك هذه الدعوة فتحي لهم أثار سلفهم المهتدين (¬3) ، وما تكون أثار هذا السلف غير كتب أبى عبيدة مسلم وما حفظه عن جابر بن زيد وأساتذته من الصحابة رضوان الله عليهم ودونه في تلك الكتب ؟ !
ويذكر جناو عن نفسه أنه في آخر مدته وأنه قد تقدم به العمر، وهو يقول في نفس الكتاب :" وأنا أحب تعجيل ذلك منك، يعني قدومه عليه لأني على آخر أيامي واقتراب أجلي وفناء مدتي وورودي على ما كنت أصدر عنه" (¬4) .
صفحة ١٤