تأتي دعوة الإمام محمد بن عبدالله في مرحلة زمنية تعتبر من أهم فترات التاريخ الإسلامي حيث تتزامن مع مرحلة انهيار الدولة الأموية بعد أن اضطربت أحوالها بمقتل الوليد بن يزيد، ومرحلة تكوين الدولة العباسية، فإذا كان العام 132ه قد شهد معركة الزاب الشهيرة التي انتهت بها الدولة الأموية فإن أنظار الناس كانت تتجه صوب الإمام محمد بن عبدالله، حيث كانت شخصيته محل إجماع حتى من خصومه الذين غدروا به، وتجمع الروايات التاريخية أن بني هاشم قد اجتمعوا (بالأبواء) على طريق مكة، وأجمعوا على مبايعة(1) الإمام محمد بن عبدالله بما فيهم السفاح وإبراهيم الإمام، والمنصور العباسي الذي كان يقول عنه (هذا مهدينا أهل البيت) وكان يسوي ثيابه على السرج(2)، وكانت البيعة له قد توافدت من مختلف الأمصار، ولم تكن لبني العباس أي دعوة تذكر في هذه الفترة، وبعد أن حسمت المعركة عسكريا بسقوط بني أمية، سلم أبو مسلم الخراساني مقاليد الأمر لبني العباس الذين بادروا بالغدر به، وتوطيد أركان حكمهم، وإذا بحلفاء الأمس لأهل البيت ودعوتهم أصبحوا أعداء اليوم، بل أشد عداوة وأكثر غدرا، ويتحول الصراع إلى ذوي القربى(بنو هاشم) وهذا ما يجرنا إلى التنبيه بأهمية هذه الفترة التاريخية، ومما يجب التنويه إليه في مقام أهمية هذه الفترة التاريخية هو ما يذهب إليه بعض كتاب التاريخ بحسن نية أو بدونها من تصوير العراك الذي شهده عصر النبوة وفجر الإسلام ما هو إلا صراع بين بني أمية وبني هاشم، ويذهب آخرون للتدليل عليه برصد صراعاتهم منذ فجر التاريخ قبل الإسلام، وبظهور دعوة الإمام محمد بن عبدالله ومن جاء بعده من الأئمة ما يدحض تلك المقولات، حيث لم يكن صراع أئمة أهل البيت من منطلق قبلي بقدر ما هو عقائدي بحت، تمثل في الدعوة إلى نشر رسالات السماء وتحكيم شريعة وإقامة سنة نبيه، وإذا كان بنو أمية للأسف الشديد في خط المواجهة لهذه الدعوة طوال فترة صراعهم مع رسول الله ومن جاء بعده من أئمة أهل البيت فإن بني هاشم لا يزيدهم هذا إلا شرفا طالما تمسكوا بخط الرسالة المحمدية، ولتأكيد بطلان تلك المزاعم من تصوير الصراع بين بني أمية وبني هاشم على أساس قبلي فإنه يكفي لنفي هذه الأطروحة التذكير بمعاملة الرسول (ص) لمن استسلم منهم بعد الفتح وجعلهم من الطلقاء بالرغم من عدائهم الصريح له ولدعوته، ولم يأمر بقتل أحد منهم بعكس صنيعهم بأهل البيت وشيعتهم عندما أتيحت لهم الفرصة فأكثروا من القتل للنساء والأطفال والشيوخ، وليست مأساة كربلاء إلا لوحة تجسد صنيعهم بأهل البيت وأتباعهم.
كما أن ظهور دعوة هذا الإمام بعد زوال دولة بني أمية ووقوفه ضد قرابته من بني هاشم تؤكد وضوح منهج أهل البيت في التزامهم بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحياء الجهاد ولو على أنفسهم.
صفحة ١٦