فقال: «إذن ستفرحين كثيرا إذا عرفت أننا ذاهبون غدا إلى شبرا لحضور الاحتفال بعيد الشهيد.» وضحك.
فأطرقت وقد علمت من غنة صوته أنه يعبث بها ويعرض بإكثارها من الصلاة، ولما رأت ضحكه قالت: «إن عيد الشهيد عيد مبارك، وفيه فضل وبركة؛ لأنه يبشر ببدء الفيضان إذ يلقون فيه التابوت وأصبع الشهيد، فإذا استقر في النيل يأخذ ماؤه في الفيضان، ولكنني أعلم أنهم شوهوا الاحتفال، فلا يرضي الله إذ يتخذه بعض الناس فرصة لإراقة الخمور والتمتع بالشهوات.»
فقال وقد تناول تفاحة جميلة قدمها إليها: «ما لك وللناس نحن نذهب لحضور الصلاة والاحتفال بإخراج التابوت و...»
فتناولت التفاحة من يده وقالت: «أصبح احتفالا تتزاحم فيه الأقدام وتتحاك المناكب ويختلط الحابل بالنابل فلا يجد المرء موطئا لقدميه.»
فنظر إليها مستخفا بما تقوله وقال: «كأنك تحسبيننا ذاهبين لنقف مع الرعاع والعامة، إننا ذاهبون مع صديقنا إسطفانوس في سفينة صاحب الخراج الراسية إلى الشاطئ، فنركبها وفيها الغرف للنوم والمطابخ للطعام، ونخترق بها النيل فنقف حيث نشاء ونتفرج على ازدحام الناس ونحن في سعة من المكان، ونشاهد الاحتفال على مهل فلنشكر صديقنا إسطفانوس على دعوته.»
فلما سمعته دميانة وعلمت أنها ذاهبة مع إسطفانوس استعاذت بالله وتراجعت حتى بدا التردد في عينيها أما إسطفانوس فتذرع بشكر مرقس، فقال: «العفو يا مولاي فإنما علي أنا أن أقدم فرائض الشكر إذا تنازلت الآنسة دميانة ورضيت بالذهاب معنا.»
فلم يزدها هذا التلطف إلا نفورا، ووقعت في حيرة بين أن تقبل الدعوة فتقضي بضعة أيام مع إسطفانوس وهو ثقيل على قلبها وبين أن ترفضها فلا تأمن أن يلح عليها والدها فتضطر للذهاب مرغمة، فظلت ساكتة، فقال أبوها: «ما لك لا تتكلمين يا دميانة، ألست مسرورة بهذه السياحة والزيارة؟»
فسبقها إسطفانوس إلى الكلام وقد تناول الإبريق بيده وأخذ يصب منه الخمر في قدح من الزجاج المنقوش، وقال: «لا حاجة إلى سؤالها؛ فقد قالت إنها لا تريد الذهاب.» وفرغ من الصب فأدنى القدح من فيه وقد أرسل رأسه إلى الوراء فاسترق نظرة إليها بين القدح وكمه فرآها مطرقة تتشاغل بالتفاحة بين أناملها وقد غلب الحياء عليها حتى توردت وجنتاها.
فتصدى مرقس للجواب عنها وبيده اليمنى القدح يبعده عن فيه بعد أن شربه ويمسح باليسرى شاربيه وفمه وقال: «كيف فهمت أنها لا تريد الذهاب وهي أرغب الناس في الصلاة والاحتفالات الدينية، وقد كانت تخاف الازدحام، فبعد أن علمت بذهابنا بالذهبية لا أظنها تمانع فهي تذهب مع أبيها حيثما سار .»
فأدركت دميانة أنه يذكرها بسلطته الأبوية، وأنه سيأخذها رضيت أم لم ترض، فرأت أن القبول أليق، فالتفتت إلى إسطفانوس، وقالت: «ظننتني رفضت الذهاب ولا رأي لي في وجود والدي فإذا أمر أطعت.»
صفحة غير معروفة