قال ذلك ودفع الكتاب مختوما إلى ابن طولون، فوضعه بين يديه بجانب الأسطوانة، وأجل فضه حتى يحضر البطريرك.
وبعد قليل جاء الحاجب يقول: «إن البطريرك بالباب.» فأمر ابن طولون بدخوله، فدخل وعليه لباسه الرسمي وقد بدت الدهشة في وجهه، فوقف له الحضور وابن طولون أيضا ودعاه إلى الجلوس على كرسي بجانبه، فجلس وأول ما وقع بصره عليه كتابه إلى ملك النوبة بين يدي ابن طولون، استغرب ذلك والتفت فوجد المعلم مرقس، وكان يعرفه ويعرف قصة ابنته مع إسطفانوس وكذلك سعيدا.
ولم يكد يستقر به المقام حتى دخل الآذن ينبئ بمجيء زكريا ودميانة، فدخلا وفي أثرهما سمعان النوبي، فوقف في بعض أطراف القاعة. فلما وقع نظر البطريرك على زكريا ودميانة أدرك الغرض من حضوره، فوجه ابن طولون كلامه إلى البطريرك أولا لعظم شأن تهمته، وقال: «أليس هذا الكتاب منك؟» وأراه الكتاب وقال: «بلى.»
قال: «أليس خاتمك عليه؟»
قال: «بلى يا سيدي.»
قال: «وأرسلته إلى ملك النوبة، وحدثته فيه عن إخراج هذه البلاد من حوزة المسلمين؟»
قال: «نعم يا سيدي.»
قال: «أبلغ، من أمرك أن تتواطأ مع عدونا علينا؟»
فتبسم البطريرك وقال: «إن الأمير يتهمني بما سمعه من الوشاة، وهم - لسوء الحظ - من أبنائي ورعيتي. فقد قالوا إني خائن وإني أتآمر بك وأدس الدسائس، وقد استولوا على كتابي هذا على غير علم مني فما على الأمير إلا أن يفضه ويأمر بتلاوته، فيعرف الحقيقة، فإن كنت خائنا فقد حق علي ما ضربتموه من الأموال التي أثقلت كاهلي، وإن أكن بريئا فالأمر مفوض للأمير.» قال ذلك وقد بدا التأثر في عينيه وفي كل كيانه.
فقال ابن طولون: «صدقت. وأشار إلى الكاتب بين يديه، وقال: «أنت تقرأ القبطية؟»
صفحة غير معروفة