وصعد ثم عاد وقال: «هيا بنا إلى أسفل هذه الأكمة ؛ فإن لي حمارا ربطته هناك فأركبه ونسير معا.»
فنزلوا جميعا وركب حماره ومشى بين الجملين، وأخذ يروي لهما ما وقع له بعد فراق دميانة في حلوان منذ ذهب إلى بيت أبيها وأخذ منه الأسطوانة، ثم ذهب إلى دير أبي مقار ورأى البطريرك ميخائيل وأخذ منها كتابا إلى ملك النوبة وضعه في الكيس مع الأسطوانة وكيف خانه ذلك اليهودي وأتى بالجند فقبضوا عليه فخبأ الكيس بباب الهرم، وحمل إلى السجن فأقام حينا وتوصل إلى سعيد، وأخبره عن الكيس وأنه يريد أن يأتي به فتوسط له عند السجان على أن يخرجه ويعود إلى السجن في تلك الليلة ... إلى أن قال: «قابلت خلسة لأخذ الكيس من باب الهرم، فرأيتكما وخفت أن تكونا عينا علي، ثم حدث ما تعلمانه، وقد ذهبت الآن إلى باب الهرم، وأتيت بالكيس، وهو معلق بعنقي تحت أثوابي.»
وقصت عليه حديثها، ونوهت بمكارم أخلاق العم سمعان، وكان هذا قد سمع حديث زكريا وما يتخلله من كلام البطريرك ميخائيل، وأنه لا يرى ملك النوبة في إخراج مصر من حكم المسلمين إلى حكم الروم، ففترت همته عن الذهاب إليه ولكنه أراد التثبت فقال: «حقا، لقد قاسيت كثيرا في ذهابك إلى دير أبي مقار. هل البطريرك هناك الآن؟»
قال: «سمعت أنه قادم إلى الفسطاط ليجتمع بصاحب مصر.»
قال: «ألا يزال كتابه إلى ملك النوبة معك؟»
قال: «في الحقيبة (الكيس) معه الأسطوانة.»
قالت دميانة: «أراك كثير العناية بهذه الأسطوانة حتى عرضت نفسك للخطر من أجلها! فأي شيء فيها؟»
قال: «ستعلمين بعد حين.»
وظلوا في الحديث حتى وصلوا إلى جسر الجيزة، فعبروه إلى الروضة ومنها إلى ضاحية الفسطاط عند بابلون قرب دير المعلقة، فلما صاروا هناك قال زكريا: «لا بد من رجوعي إلى السجن الآن، فأين تمكثان لأراكما إذا خرجت؟»
قالت دميانة: «أنا أفضل النزول في هذا الدير.»
صفحة غير معروفة