أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه

محمود الخفيف ت. 1380 هجري
96

أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه

تصانيف

وأما عن نصيحتك التي تعطفت فأسديتها إلينا، فإنا نشكرك عليها، ونرجو منك أن تقول عنا إننا لا نألوا جهدا في المحافظة على الهدوء والنظام، لأننا نعد ذلك واجبا من أهم واجباتنا، وإنا لنحاول أن نحظى بالنجاح، ونستطيع أن نؤكد لك أن الهدوء الآن يشمل كل شيء، والسلام يسود البلاد كلها، ونحن نبذل غاية ما في وسعنا ومعنا إخواننا الوطنيون للدفاع عن حقوق من يقيمون في بلادنا، بصرف النظر عما ينتمون إليه من الأمم، وإنا نحترم كافة المعاهدات والاتفاقات الدولية كل الاحترام، ولن نسمح لأحد بالمساس بها ما دامت الدول الأوربية تحافظ على علاقاتها الودية بنا ...

أما عما يهددنا به كبار أصحاب المصارف ورجال المال في أوربا، فإنا سنحمل ذلك في ثبات وحكمة، ففي رأينا أن ذلك الوعيد لن يضر إلا أنفسهم وإنه ليؤذي تلك الدول التي يضللونها.

وإن غرضنا الأوحد هو أن تتخلص بلادنا من العبودية والظلم والجهل، وأن نرفع بني مصر إلى مستوى يستطيعون معه أن يحولوا دون أي رجعة للاستبداد، الذي كان يضع مصر فيما سلف من الأزمنة في زوايا الإهمال ...

وإن هذا الذي أكتبه إليك هو ما يفكر فيه كل مصري حر العقل محب لبلاده ...»

هذا ما يقوله عرابي الذي يصوره مالت نزقا جاهلا مستبدا، والذي ظل فريق من بني قومه حتى يومنا هذا لا يجدون له في خواطرهم من صورة إلا ما صور الاحتلال، فإذا ذكرت للرجل منهم عرابيا راح يتلو عليك ما لقنه في المدرسة وا أسفاه من أوصاف هي أبعد ما تكون عن حقيقة هذا الرجل المظلوم، ومن أغراض شتان بينها وبين ما كان يبتغيه لقومه هذا الزعيم المفترى عليه.

أجل! لا زلنا مع بالغ الأسف نسمع حتى اليوم من بعض المصريين ومنهم من له في الناس مكانته، قدحا في عرابي، فإذا جادلناه لا نجد لديه من علم إلا أن عرابيا كان طائشا جاهلا، لا يدري شيئا من شئون بلاده، إلى أمثال تلك العبارات المحفوظة التي لا تغتفر لصبي في المدرسة، وإذا كان عذر هؤلاء عن قدحهم أنهم يجهلون تاريخ هذا الرجل، فإنا لن نجد لهم عذرا عن هذا الجهل، فذلك هو العذر الذي يوصف بأنه أقبح من الذنب ...

لينظر هؤلاء فيما بينا من آمال هذا المصلح وفيما قدمنا من أدلة بسالته وحميته، وليتدبروا في هذا الذي يكتب لصديقه بلنت، وليسألوا أنفسهم بعد ذلك: ألا يزالون يرون في هذا الرجل جنديا طائشا مغرورا لا يدري من أمور بلاده شيئا.

إن هذا الذي يقوله عرابي لبلنت هو ما كان يرجوه المصريون من إنجلترا قبل الاحتلال، وهو الذي ظلوا يرجونه منها بعد الاحتلال حتى يوم الناس هذا، وكم تكرر في مصر من أشباه ونظائر لهذا الموقف؟ وكم جاء مثل هذا الكلام على ألسن غير لسان عرابي، ولكنا نحجز القلم عن الاتجاه إلى غير ما نحن فيه، وقصارانا أن نقول إن السياسة الإنجليزية في مصر هي هي وإن تغير الزمن واختلفت على موضع الزعامة الرجال ...

وقد أكد عرابي نياته في كتابه الثاني ومما جاء فيه قوله: «إننا نميل أشد الميل إلى التفاهم على روابط الصداقة والمصالح المشتركة بيننا وبين الدول التي تربطنا بهم علاقات، فإنه بالصداقة وحدها يستطيع من لهم حقوق في بلادنا أن يجنوا ثمار المعاهدات والعقود التي نجد من واجبنا العمل على احترامها وحمايتها، فإذا وقع خلاف فإنه لا يؤثر فينا فحسب، ولا تكون نحن أكثر تأثرا به من غيرنا، وإنما تتأثر به الدول الأخرى جميعا وبخاصة إنجلترا. ولا يخفى على السياسي الواسع العقل ما يكون من فوائد لإنجلترا من وراء مصادقتنا ومعاونتنا في كفاحنا ...

وفيما يتعلق بالمراقبة فكن على يقين أنه ليس هناك ما يحول بينها وبين أداء واجبها حسب الحقوق التي قررتها الاتفاقات الدولية. ولم يكن في نيتنا قط ولا في نية أحد في هذه البلاد أن يمس حقوق المراقبين أو يعتدي على أية معاهدة دولية ...

صفحة غير معروفة