أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه

محمود الخفيف ت. 1380 هجري
107

أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه

تصانيف

وبادر توفيق بإرسال أمر منه إلى المديرين قال فيه: «بما أن هيئة النظار الحاضرة استعفت وصار قبول استعفائها فليكن معلوما ذلك لديكم لتصرفوا جهودكم وقدرتكم في المحافظة التامة منكم ومن مأموري المديرية الموكلة لإدارتهم والدقة والانتباه لحسن سير الأشغال والمصالح المتعلقة بكم، كما أنه من حيث إن السفن الحربية الأجنبية التي حضرت إلى الإسكندرية لم يكن حضورها إلا بوجه سلمي فقط، ولم يكن هناك شيء آخر خلاف ذلك، فليس هناك لزوم لإرسال أحد من عساكر الإمدادية الذين صار طلبهم أخيرا بمعرفة الجهادية، بل إن الموجود منهم تحت الحضور لهذا الطرف يصير إعادته لبلده، والذي تحت الحضور من البلاد يتنبه بصرف النظر عن حضوره، وإعلان المراكز والأقسام بالتنبيه على مشايخ وعمد البلاد بهذا المضمون للعلم بعدم الاقتضاء لجمع عساكر، وانتباه كل لأشغاله وزراعته بدون اشتغاله في غير ذلك، هذا وإن الأمور المهمة التي كان قد جرى العرض عنها لنظارة الداخلية يجب أن يعرض عنها من الآن لمعيتنا إلى أن تشكل هيئة نظارة جديدة كما هو مطلوبنا.»

وهذه أوامر من الخديو تعد بالغة الخطورة، فهو يهون من حضور السفن الأجنبية، ثم يريد أن يحبط الدفاع الوطني، وذلك بمنع إرسال الجنود التي كانت وزارة البارودي قد استدعتهم من الجيش الاحتياطي قبل استقالتها، وهو يحث الناس على الاشتغال بالزراعة دون غيرها أعني ألا يلبوا إذا دعا داعي الجهاد، وفوق ذلك جميعه فهو يستبد بالأمر كي يلقي في روع الناس أنه السيد الوحيد الذي يجب طاعته في البلاد.

وأي رضاء بالاحتلال والتمهيد له يكون أصرح مما يفعل توفيق بأوامره هذه في وقت كذلك الوقت الذي يحدق فيه الخطر بالبلاد؟

إنما يريد توفيق أن يعترض طريق ثورة مشروعة في مصر مبعثها تدخل الأجانب في شئونها الداخلية توطئة لالتهامها، وأن يظهر عرابيا ومن معه بمظهر العصاة المتمردين، الذين يعمل هو ومن يعضده من الأجانب على قمعهم والقضاء عليهم، وليس أكثر من هذا الذي يفعل ممالأة للعدو واندماجا في سياسته ...

ولكن ما لبث توفيق ومؤيدوه أن تبينوا أن الأمر ليس من السهولة كما تصوروا، وأن أمامهم من الصعاب ما ينوء من حمله أقدر الرجال ...

وكان مالت قد تصور الأمر هينا كما تصوره توفيق، فقد أبرق إلى جرانفل في اليوم التالي لسقوط الوزارة يقول: «رأى الوزراء أنهم إذا رفضوا الشروط التي قبلها توفيق فإنهم بذلك يبيتون في ثورة مكشوفة بدلا من ثورتهم المستترة، وهذا موقف أشفقوا منه، وعلى ذلك فإن سقوط الوزارة يرجع إلى المسلك الحاسم الذي سلكه سموه.»

1

واطمأنت كذلك الحكومة الفرنسية، وظنت أن مصر قد ماتت فيها روح المقاومة بسقوط الوزارة السامية، وكانت إنجلترا قد عادت إلى مراوغتها في اليوم الرابع والعشرين من مايو، أي قبل سقوط الوزارة بيومين فاقترحت على فرنسا أن تحاط الدول علما بما تراه إنجلترا من علاج للحال، وهو أن يكون جيش تركي على أهبة الاستعداد للذهاب إلى مصر، فكتب ممثل فرنسا في لندن إلى جرانفل قبل سقوط البارودي بيوم يقول: «أبرق إلى مسيو دي فرسنيه أن مجلس الوزراء الذي عرض عليه مقترحكم قد أجمع رأيه على أنه ليس في الموقف الحالي ما يبرر الالتجاء إلى قوة تركية، فقد وصلتنا مذكرة من قنصلنا العام بمصر في اليوم الخامس والعشرين من هذا الشهر وفيها أن الوزارة في سبيلها إلى الاستقالة وأن عناصر المقاومة في طريقها كما يتضح إلى الانحلال، وعلى ذلك فلدينا كل ما يدعو إلى انتظار ما عسى أن تصير إليه الحوادث.»

2

ولكن مالت ما لبث أن أبرق إلى حكومته أنه قد طلب إلى شريف باشا أن يؤلف وزارة فرفض ذلك مصرحا بأنه لا يمكن إقامة حكومة في مصر طالما يقيم بها العسكريون، ثم قال مالت: «ولكن الخديو يحاول الآن إقامة وزارة ولو أن أمله ضعيف في أن يوفق إلى وزارة ذات كفاية إن كان ثمة من أمل في إمكان قيام وزارة ما.»

صفحة غير معروفة