أحلام من أبي: قصة عرق وإرث

باراك أوباما ت. 1450 هجري
38

أحلام من أبي: قصة عرق وإرث

تصانيف

لا أزال أذكر الإثارة التي كنت أشعر بها في أثناء تلك الرحلات الليلية، وجاذبية الظلام وصوت كرة البلياردو، وجهاز الفونوغراف الآلي وهو يطلق أضواءه الحمراء والخضراء، والضحكات المنهكة التي كانت تتردد في أنحاء الحانة. وحتى في ذلك الوقت، ومع صغر سني فقد بدأت أشعر بالفعل أن معظم الناس في الحانة لم يكونوا هناك باختيارهم، وأن ما كان جدي يسعى إليه هناك هو رفقة أناس بإمكانهم مساعدته على نسيان مشكلاته الخاصة، أناس كان يعتقد أنهم لن يشكلوا آراء عنه. وربما تكون الحانة قد ساعدته بالفعل على النسيان، لكني عرفت بغريزة الطفل التي لا تخطئ أنه كان مخطئا بشأن آراء الآخرين عنه. فقد كانوا هم أيضا يشعرون أننا مجبرون على الوجود هناك، وعندما وصلت إلى المرحلة الإعدادية تعلمت أن أعتذر عن دعوات جدي وأنا أعلم أنه مهما كان ما أسعى إليه، ومهما كان ما أحتاج إليه، فإنه يجب أن يأتي من مصدر آخر.

التليفزيون والسينما والراديو: كانت هذه هي الأماكن التي بدأت منها. وكانت ثقافة البوب حصرية على الملونين كأنها معرض من الصور التي يمكنك منها اختلاس أسلوب في السير أو الحديث أو خطوة في رقصة أو في أسلوب ارتداء الملابس. ولم يكن بإمكاني الغناء مثل مارفين جاي، لكني استطعت تعلم جميع الخطوات الراقصة ببرنامج «سول ترين». ولم يكن بإمكاني أن أحمل سلاحا مثلما شاهدت في فيلمي «شافت» أو «سوبرفلاي»، لكن كان بإمكاني بالطبع إطلاق السباب مثل ريتشارد براير.

وكنت أستطيع لعب كرة السلة بعاطفة شديدة تتخطى دائما مهارتي المحدودة. وقد جاءت هدية أبي للكريسماس عندما بدأ فريق كرة السلة في جامعة هاواي يتقدم في الترتيب القومي بفضل فريق جميع لاعبيه الخمسة من السود الذين أحضرتهم المدرسة من مختلف الولايات الأمريكية والذين تبدأ بهم المباراة. وفي ذلك الربيع اصطحبني جدي إلى إحدى مبارياتهم وشاهدت اللاعبين وهم في تمرينات الإحماء، وكانوا لا يزالون فتيانا لكنهم بدوا لي مقاتلين جسورين واثقين بأنفسهم، يضحكون على دعابات يلقونها فيما بينهم، أو ينظرون فوق رءوس المعجبات اللائي يتوددن إليهم حتى يغمزوا بعيونهم للفتيات الموجودات على الخط الجانبي، أو يتناقلون الكرة من حين لآخر بيد واحدة وهم بجوار السلة، أو يصوبون كرات قوسية تجاه السلة وهم يقفزون عاليا حتى تنطلق الصفارة، وكذلك قفزة لاعبي الوسط واشتراك جميع اللاعبين في معركة ضارية.

قررت أن أصبح جزءا من هذا العالم، وبدأت أتردد على ملعب بالقرب من شقة جدي بعد المدرسة. وكانت جدتي تشاهدني من نافذة غرفة نومها على ارتفاع 10 طوابق في الملعب حتى بعد أن يسدل الليل ستائره بوقت طويل عندما كنت أقذف الكرة بكلتا يدي في البداية، ثم تطورت إلى التسجيل وأنا أقفز بطريقة غريبة، والمناورة بالكرة بسرعة بين كلتا يدي، وأستغرق في الحركات الفردية نفسها ساعة بعد ساعة. وعندما التحقت بالمدرسة الثانوية لعبت في فريق بوناهو، واستطعت أن ألعب في الجامعة حيث علمني بعض الرجال السود - معظمهم ممن يقضون أغلب أوقاتهم في صالة الألعاب الرياضية أو ممن كانوا يوما من ذوي الشأن - أشياء لم تكن تتعلق بالرياضة فقط. علموني أن الاحترام ينبع مما يفعله المرء وليس من هوية أبيه. وأنه يمكن للمرء الحديث عن أمور لإثارة حنق خصمه لكن عليه أن يغلق فمه اللعين إذا لم يكن بإمكانه دعم ما يقول. وألا يدع أحدا يتسلل إلى أعماقه ليرى مشاعر، مثل الألم والخوف، لم يشأ أن يراها أحد.

وهناك شيء آخر أيضا، شيء لم يتحدث عنه أحد؛ طريقة للتماسك عندما تكون المباراة حرجة، والعرق الغزير يغمر اللاعبين، عندما يتوقف أفضل اللاعبين عن القلق بشأن تسجيل النقاط، وتجرف المباراة أسوأ اللاعبين، ويصبح ما يهم هو النقاط فقط لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على نشوة المباراة. وفي غمرة كل هذا قد يقوم اللاعب بحركة أو يمرر تمريرة تفاجئه هو شخصيا، حتى إن اللاعب الذي يتولى مراقبته لا يملك إلا أن يبتسم كما لو أنه يقول: «اللعنة ...»

وعند هذه النقطة من القصة تدير زوجتي عينيها. فقد نشأت مع أخ نجم في لعبة كرة السلة، وعندما تريد أن تثير ضيق أي منا تصر على أنها تفضل أن ترى ابنها يعزف على آلة التشيلو. إنها على حق بالطبع؛ فقد كنت أعيش بداخل صورة مشوهة ومغالى فيها لمراهقة شاب أسود، وهي في حد ذاتها صورة مشوهة ومغالى فيها لمرحلة الرجولة الأمريكية المختالة. لكن عندما يكون من المفترض ألا يريد الأبناء اتباع خطى آبائهم المنهكة، عندما لا يكون من المفترض أن تملي متطلبات العمل في الحقل أو المصنع على المرء هويته حتى إن الكيفية التي ينبغي أن يعيش بها المرء تباع جاهزة أو توجد في مجلة، يكون الاختلاف الرئيسي بيني وبين معظم الشباب من حولي - راكبي الأمواج ولاعبي كرة القدم ومن سيصبحون عازفي موسيقى الروك آند رول على الجيتار - يكمن في العدد المحدود من الخيارات المتاحة أمامي. فكل منا اختار رداء؛ درعا ضد الشك. وعلى الأقل في ملعب كرة السلة كان بإمكاني إيجاد مجتمع من نوع ما له حياته الخاصة. هناك كونت أقرب صداقات لي من الشباب البيض، في مجال لم يكن سواد البشرة عيبا. وهناك قابلت راي وأترابي من الفتية السود الآخرين الذين بدءوا يتوافدون على الجزيرة رويدا رويدا، والذين كانوا مراهقين ساعدت حيرتهم وغضبهم في تكوين حيرتي وغضبي.

وكان بعضهم يقول ونحن وحدنا: «هكذا بالضبط سيعاملك البيض.» ويضحك الجميع ويهزون رءوسهم، وينطلق عقلي يبحر في سجل من المواقف المهينة: أول صبي في الصف السابع، الذي أطلق علي عبد أسود، ثم دموع المفاجأة التي انهمرت من عينيه وهو يسألني: «لماذا فعلت هذا؟» عندما أدميت أنفه. وذاك الذي كان يتدرب معي في دورة التنس الذي قال لي إنه يجب ألا ألمس جدول المباريات الملصق بدبوس إلى لوحة النشرات لأن لوني قد يزول، وابتسامة وجهه الأحمر رفيع الشفتين عندما هددت بأن أبلغ عنه وهو يقول: «ألا يمكنك تقبل الدعابات؟» وتلك السيدة العجوز - التي تقطن في مبنى جدي نفسه - التي ثارت عندما دخلت المصعد وراءها وهرعت خارجة منه لتخبر المدير أنني ألاحقها، ورفضها أن تعتذر بعد أن علمت أنني أعيش في المبنى نفسه. ومساعد مدرب فريق كرة السلة، وهو شاب نحيل من نيويورك يرتدي سترة أنيقة، قال بعد مباراة لم يخطط لها مع بعض الرجال السود الثرثارين على مقربة مني أنا وثلاثة من رفاقي في الفريق إنه ما كان يجب أن نخسر أمام حفنة من الزنوج، والذي شرح لي بهدوء الحقيقة التي تبدو واضحة وهي «هناك أناس سود وهناك زنوج. وهؤلاء الأشخاص زنوج»، كان ذلك عندما قلت له بغضب، فاجأني أنا شخصيا، اخرس.

هكذا بالضبط سيعاملك البيض. المشكلة لم تكن تتعلق بقسوة الأمر فقط؛ فقد علمت أيضا أن الرجال السود قد يكونون وضيعين، بل أكثر من ذلك. لقد كان نوعا خاصا من الغرور؛ بلادة عقل يتمتع بها أناس يكونون فيما عدا ذلك عقلاء وتدفعنا إلى الضحك بمرارة. لقد كان الأمر كما لو أن البيض لم يكونوا يعرفون أنهم قساة في المقام الأول. أو على الأقل يرون أننا نستحق ازدراءهم. «البيض». كان المصطلح نفسه غير مريح على لساني في البداية، فكنت أشعر أنني أجنبي أتلعثم في نطق عبارة صعبة. وفي بعض الأحيان أجد نفسي أتحدث إلى راي عن «هؤلاء البيض» و«أولئك البيض»، ثم أتذكر فجأة ابتسامة أمي فتبدو لي الكلمات التي أتفوه بها غريبة وزائفة. أو أكون أساعد جدي في تجفيف الأطباق بعد العشاء وتأتي جدتي وتقول إنها ستأوي إلى الفراش، وتبرق كلمة «البيض» في ذهني مثل إشارة لامعة مضيئة، فأهدأ فجأة كما لو أن لدي أسرارا أحتفظ بها.

وبعد ذلك، عندما أكون وحدي أحاول أن أحلل هذه الأفكار الصعبة. وكان واضحا أن هناك بعض الأشخاص البيض الذين يمكن أن نستثنيهم من الفئة العامة التي لا نثق بها، وكان راي دائما ما يتحدث عن لطف جدي. ورأيت أن مصطلح أبيض أصبح عنده اختصارا، علامة مميزة لمن يمكن أن تطلق عليه أمي شخصا متعصبا. ومع أني أدركت خطورة المصطلحات التي يستخدمها، وكم من السهل أن يهوي المرء إلى هوة هذا التفكير المختل الذي ظهر على مدرب كرة السلة (الذي قلت له قبل أن أخرج من الملعب في ذلك اليوم: «هناك أشخاص بيض، وهناك جهلة حقراء مثلك»)، وقد أكد لي راي أننا لن نتحدث قط عن البيض على أنهم بيض أمام البيض دون أن نعرف بالضبط ماذا نفعل. ودون أن نعرف أنه قد يكون هناك ثمن ندفعه.

ولكن هل هذا صحيح؟ هل كان لا يزال هناك ثمن لندفعه؟ هذا هو الجزء المعقد، الشيء الذي لم أستطع أنا وراي أن نتفق عليه قط. وفي بعض الأحيان كنت أسمع راي وهو يتحدث إلى فتاة شقراء قابلها لتوه عن الحياة في شوارع لوس أنجلوس الفقيرة، أو أسمعه يشرح - لمدرس شاب متحمس - الندبات التي تركتها العنصرية، وأكاد أقسم أنه وراء تلك التعبيرات الجادة كان راي يغمز لي بعينه ليجعلني أشترك في الحوار. وكان وكأنه يقول لي إن غضبنا على البيض لا يحتاج إلى سبب، ولا إلى تأكيد مستقل، إنه شعور يمكن أن نجعله يظهر ويختفي وقتما نشاء. وفي بعض الأحيان - بعد أحد هذه العروض التمثيلية - كانت الشكوك تساورني حول حكمه، إن لم يكن إخلاصه. وكنت أذكره أننا لا نعيش في الجنوب في ظل قوانين جيم كرو، ولم يلق بنا في مشروع إسكان ليس به وسائل تدفئة في هارلم أو برونكس. إننا في هاواي اللعينة، نقول ما نشاء ونأكل حيثما نشاء ونجلس في مقدمة الحافلة التي يستقلها الجميع. ولا يعاملنا أي من أصدقائنا البيض، أمثال جيف وسكوت في فريق كرة السلة، بطريقة مختلفة عن تلك التي يتعاملون بها بعضهم مع بعض. إنهم يحبوننا ونحن نحبهم. بل نصفهم تقريبا يبدو وكأنه يود لو أنه أسود اللون، أو على الأقل مثل الدكتور جيه.

صفحة غير معروفة