وجاءت ورآها سباعي وفهم كل شيء. •••
هي النقيض الكامل للنسوة اللواتي خبلن عقله بجمالهن في الكباريه، هي الطرف الآخر من جمال الخليقة. إذا كان سبحانه قد خلق النسوة الجميلات ليرى عباده بديع صنعه، فهو سبحانه جلت قدرته قد خلقها ليعرف عباده شديد سخطه. إذا كان هناك من لا يصدق أنه سبحانه قادر على خلق الجنة والجحيم فليضع قدرية إلى جانب أي جميلة من جميلات أي مكان، سواء كان هذا المكان هو الأوبرج أو حتى قرية الصالحة. وحينئذ ستتمثل له في الفتاة الطبيعية الجنة كل الجنة، وفي قدرية الجحيم غاية الجحيم. سبحانه إنه على كل شيء قدير!
لهذا قال له عبد الحميد أبو ديدة اخطبها، ولهذا لم يرفض شعبان فكرة زواجه بها رفضا قاطعا من أول وهلة، وإن كان قد دهش من رد الفعل الذي استقبل به شعبان طلبه، وإن كان قد ذهل لأن شعبان جعل الأمر قابلا للإتمام، وإن كان قد ازداد ذهوله حين وجده يسارع إلى إتاحة الفرصة له أن يرى أخته، فإن الدهشة والذهول الآن لا مكان لهما؛ فهو بالنسبة إلى الحالة التي رآها فرصة لا تعوض لعز الدين بك؛ فلا شك أن أباها وأمها وأخاها لم يكونوا يأملون أن تتزوج أكثر من عامل زراعة في أملاكهم ويكون العامل مظلوما.
كيف استطاع فمها أن يكون بهذه السعة؟ وكيف استطاع أنفها أن ينفرش لينال من وجنتيها - إذا كان لها وجنتان - كل هذه المساحة؟ وكيف استطاع هذا الوجه المسحوب كعلامة تعجب أن يسع كل هذا الفم وكل هذا الأنف؟ وهي تغطي شعرها بمنديل، ولكنه شعر متمرد صاخب يرفض المنديل ويقذف به إلى أعلى ليجعل منه طرطورا. وكل هذا يهون إذا تركز البصر من الناظر على ذقنها، إنه مقذوف إلى أعلى يوشك أن يغلق الفم. وربما كان هذا هو السبب في نحافتها المفرطة؛ فلا شك أن فمها يجد مشقة عاتية في أن يلقف اللقمات!
لقد وعى سباعي قبح الفتاة وعيا كاملا، ولكن العجيب في أمره أنه ازداد إصرارا على الزواج بها؛ فقد أدرك لحظة رآها أن الزواج بينهما متكافئ؛ بل إن أسرتها هي الكاسبة فيه؛ لأنهم لا يعرفون ما يفكر فيه هو، الزواج متكافئ لا شك، هي قبيحة كل القبح وهو فقير بعض الفقر؛ فهو مقبل إذن على الزواج في عزم وإصرار ازدادا ولم ينقصا. وهو في إقباله هذا غير مرغم ولا مضطر؛ فإنه يستطيع إذا لم يكن يريد للزواج أن يتم أن يذهب من غده إلى شعبان ويحدثه في حديث آخر غير هذا، وسيفهم شعبان وسيعذره، فهو مصمم، وهو مصمم أيضا أن يكلم شعبان أباه حتى يكون وهدان مضطرا لإتمام الزواج. وقد كان سباعي مقدرا لهذا الأمر منذ دبر أمره قبل أن يفاتح شعبان في شأن الخطبة؛ فهو يعلم حرص أبيه وهدان على أن تعيش أسرته بعيدة عن كل المشاكل، فإذا هو امتنع عن إتمام الخطبة فالويل الآخذ والانتقام الوبيل.
وقد كان سباعي واثقا أنه حين يطلب من أبيه أن يخطب له ابنة عز الدين سيرفض رفضا قاطعا، كما كان واثقا أنه سيقبل أن يخطبها له على رغم أنفه إذا أخبره أن شعبان فاتح أباه فعلا في الأمر وأنه قبل. قدر سباعي هذا جميعا، وأقدم على هذا الحديث مع شعبان.
وفي الصباح الباكر كان سباعي واقفا بجانب شعبان في الغيط: متى ترد علي؟
ونظر إليه شعبان مليا ثم قال: تعال الليلة في البيت. •••
انتظر سباعي حتى صحا أبوه من القيلولة وتوضأ وصلى صلاة العصر، واستقرت به الجلسة على الأريكة وبجانبه نبوية، وكان وهدان منشرح الصدر فهو يقول تلك الجملة التي كثيرا ما يرددها: لقد كان قطع ذراعي بركة، تزوجت بي نبوية بعد أن تأكدت من قطعه، إنها تحبني لشخصي، وأعفاني الله من غسيل ذراعين في كل وضوء مكتفيا بذراع واحدة.
وضحكت نبوية وهي تقول: أما زلت تذكر زواجنا؟ قد آن الأوان أن نفكر في زواج أبنائنا.
صفحة غير معروفة